للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من الأخطاء: إعطاء بعض القضايا أكثر مما تستحقه]

أيضاً من أخطائنا: إعطاء المسائل أكبر من حجمها، أو التشاغل بقضايا غير واقعة في حياة الناس، أو غيرها أهم منها.

ودين الله وسط بين الغالي والجافي كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:١٤٣] والله يقول: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:٣]

قال المتنبي:

فوضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى

إن من يسمي تربية اللحى وتقصير الثياب قشوراً مخطئ، وليس في الدين قشور، لكني أقول: من جعلها أصلاً من أصول الإيمان فقد أخطأ، إن كثيراً ممن يعظ أول ما يبدأ يحدث الناس يحدثهم بتربية اللحى، وبعضهم قد لا يصلي، أو يأكل الربا، أو يشرب الخمر، أو يزني، أو يرتكب شيئاً من شعب الشرك، وهذا يركز على تربية اللحية ليلاً ونهاراً، فأعطاها أكبر من حجمها، ثم بعضهم يلغيها من حجمها الصغير، ويقول: هي قشور لم ترد بها السنة، وهذا خطأ، لكن نعطيها حجمها ومساحتها.

الغيبة في القرآن ذكرت في آية أو آيتين، بينما معظم آيات القرآن عن التوحيد، والحسد أيضاً ذكر في آيتين، غض الصوت في آية، القصد في المشي في آيتين، أو في ثلاث، فأعطى الله كل مسألة حجمها، ومن أحسن من ألف في ذلك الأستاذ العلامة أبو الأعلى المودودي، وهو كتاب: كيف تقرأ القرآن؟ وأتى بقواعد فذة تنبئ أن الرجل ليس بالسهل وأنه كان عملاقاً.

يقول: أزل من عقلك كل تصور عن القرآن مسبق، وأعط المسألة حجمها إلى غير ذلك، وهذا ليس من شأني في هذه المحاضرة.

أقول: أعطينا كثيراً من المسائل أكبر من حجمها، كم صدرت من فتاوى في التصوير، ومناقشات وتنبيهات وتحذيرات مع العلم أنها مسألة فرعية بالنسبة لمبدأ العلمانية، الذي لم يلق من الحديث والكلام عشر معشار ما وجده التصوير، تكلمنا في التصوير ليلاً ونهاراً في كتيبات، وردود، ومناقشات، ومباحثات ومحاضرات!

والعلمانية أنا أجزم أن كثيراً من العلماء لم يتكلموا فيها ولو بكلمة، وهي مذهب يهدد الإسلام من جذوره.

قبل سنة كان كثير من الناس لا يعرفون شيئاً عن حزب البعث، وهو حزب مارد، دخيل يريد هدم الإسلام، فلم يتكلم عنه أحد، وبقينا نتكلم كثيراً عن التصوير والفيديو وضررهما على الأمة.

إن البدع تهدد العالم الإسلامي في وقت لم يهتم بنشر العقيدة الصحيحة، ولم تبين الإيمانيات كما عرضها الصحابة رضوان الله عليهم والسلف الصالح.

كم أخذت مسألة القيام للداخل، أنا أعرف فيها رسائل، وهذا يقول هذا الرأي، ويغضب عليه آخر، لأنه خالفه.

وكذلك جلسة الاستراحة، وتحريك الأصبع في التشهد، هل سمعتم أن الدعاة تكلموا بغزارة في مسألة الحداثة، والغزو الفكري، والولاء والبراء، والربا، ووسائل هدم الإسلام لبنة لبنة، كالإعلام المهتري، وغير ذلك من المسائل الكبيرة، والواحدة منها كارثة على الأمة وعلى الإسلام والمسلمين، وهذا من أخطائنا: أنا نعطي المسألة أكبر من حجمها، أو نصغرها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>