للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الخامس: تقريع النفس إلى درجة عدم الثقة بها]

كثير من الشباب اهتدى بعد سنوات من المعصية، وكلنا خطاء وخير الخطائين التوابون، والله لم يعصم أحداً من الخطأ إلا الرسل عليهم الصلاة والسلام، والله سبحانه وتعالى فتح باب التوبة، والذي يأتي من البشر كائناً من كان من الكيانات أو من السلطات ليقول لأي أحد من الناس: أنت لا تستطيع أن تتوب، وأنت محروم من مغفرة الله ورضوانه، هذا مجرم كاذب أثيم لا يحق له ذلك، فمن الذي يغلق الباب بينك وبين الله؟ ومن الذي يقطع الحبل بينك وبين الله؟ ومن الذي يستطيع ألا يرفع كلماتك إلى الله الواحد الأحد وهو يقول: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:١٠] ويقول: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف:٢١] ويقول: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:١٣٥]؟!

وفي القصة الصحيحة أن رجلاً من بني إسرائيل قتل تسعة وتسعين نفساً، فأهدر دماءهم مع أنه لا يحق له ذلك لأنها معصومة، وذهب وسيفه يقطر دماً إلى عابد يترهب في صومعة فقال: ألي توبة؟ قال: ليس لك توبة، فضرب رأسه فقتله، فذهب إلى عالم آخر وقال: ألي توبة؟ قال: ومن يمنعك من التوبة؟ باب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها، فتاب الله عليه، وأدخله الجنة، بعد قصة طويلة.

والمقصود أن كثيراً من الشباب قد اهتدوا، فلما اهتدوا تذكروا ماضيهم، فإذا قلت لأحدهم: عليك أن تكون داعية قال: أبعد هذا الماضي وهذه الصحائف السوداء أكون داعية؟ أنا مثلي يتكلم! ويكون خطيباً! فمن الشباب من يقول: هل مثلي يستطيع أن يقف على المنبر ليتكلم للناس، فلا يزال يقرع نفسه، ويهجوها ويسبها حتى يحبط فلا يقدم شيئاً.

بل إن كثيراً من الشباب إذا قلت لأحدهم: أنا أحبك في الله، قال: والله لو تعلم ما عندي ما أحببتني في الله، ولمَ يا أخي؟!

وتجد بعضهم عندما تقول له: يا أخي! لو ذهبت إلى القرى والبوادي تنصحهم وتدعوهم إلى الله؟ قال: أنا! مثلي يذهب إلى البوادي، أنا لا أستطيع أن أتكلم، أنا تاريخي أعرفه.

وبعضهم يقول بصراحة: أنا أظن أن الله لا يغفر لي.

وهؤلاء قد أصيبوا بالوسوسة، فهو يعد الخطايا وإلا ولو كانت كالجبال وتاب فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة}.

ومع ذلك تجد أن حالة الإحباط كثيرة عند الشباب.

من ذلك: أنه عندما ندخل في السجون على كثير ممن وقع في المخدرات من الشباب، قد نجد أن بعضهم قد اهتدوا وحفظوا القرآن، وأصبحوا على السنة، والبعض منهم لا زال مصاباً بحالة الإحباط، فتأتي تجلس معه لكي تقنعه فتقول: تب إلى الله، فيقول: مثلي لا يقبل الله توبته.

قلت له: استغفر الله.

قال: لا.

إن الله يقبل توبة الإنسان الذي يعصي قليلاً أما إن كانت مثل الجبال فلا يغفرها الله.

قلنا: أنت تفتي نفسك بهذا، أيحق لك في الإسلام أن تقول هذا؟! هذا حرام.

يذكر أن رجلاً من بني إسرائيل رأى فاسقاً يمر به، فقال: تب إلى الله؟ قال الفاسق: اتركني وربي، أي: أنا أصطلح مع الله، وهذا ليس بمنطق، لكن هكذا وقعت القصة.

فقال له مرة ثانية: تب إلى الله.

قال: اتركني وربي.

قال: والله لا يغفر الله لك.

فقال الله: من ذا الذي يتألى عليّ؟ أي: من الذي يملك أن يحلف عليّ ويقسم عليّ؟ قد أحبطت عملك وغفرت لذلك، والقصة ثابتة عند أهل العلم.

وقرأت أن عيسى عليه السلام مر برجل فاسق، أي معرض عن الله عز وجل، فقال له: تعال معي إلى بيت المقدس، فأخذه بيده -وهذه في ترجمة عيسى عليه السلام- فلما اقترب من بيت المقدس السليب الذي أخذ منا عنوة وعلى رغم أنوفنا يوم ضاعت منا معالم لا إله إلا الله محمد رسول الله، بيت المقدس الذي يقول فيه أحمد شوقي:

مررت بالمسجد المحزون أسأله هل في المصلى أو المحراب مروان

فلا الأذان أذان في منائره من حيث يتلى ولا الآذان آذان

وصل إلى بيت المقدس فقال الفاسق لعيسى: اتركني، فسحب عيسى عليه السلام يده، قال: ما لك؟ قال: أخشى أن أدنس بيت المقدس بمعاصيَّ، فأوحى الله إلى عيسى أن أخبر ذاك أني قد تبت عليه، وعزتي وجلالي لكلمته أنفع له عندي من عبادة سبعين سنة.

نعم.

لنا أن نعترف بالخطايا والذنوب لكن ليس إلى درجة أن نحبط

من الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط

قيل للإمام أحمد: أيبقى العبد حتى يكمل ثم يدعو إلى الله؟ قال: من يكمل؟! وكثير من الشباب يقول: أنا لن أدعو إلى الله، ولن أخطب في مسجد أو ألقي كلمة، ولن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، ولن أصلح بيتي، ولن أؤثر في جيراني حتى أكمل، فمتى تكمل؟ حتى تصبح نبياً! ليس بعد الرسول محمد نبي، ونحن من بعض {كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون} لكن الرجاء منكم يا شباب الإسلام! أن يبلغ كل طاقته، وأن يصلح من نفسه، وإذا أذنب أن يستغفر، لكن ذنبه هذا لا يمنعه من الدعوة إلى الله، ومن التأثير في الناس، ولا يصل إلى درجة القنوط من رحمة الله {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:٨٧].

<<  <  ج:
ص:  >  >>