ومن آثار الذنوب: الوحشة بين العبد وبين ربه، والوحشة أمرها عجيب، ونبأها غريب وسرها ومكمنها أنها تنسي العبد حلاوة الحياة وسعادتها، لا تنعم -والله- بأطفال ولا تهدأ -والله- في بال، ولا تعيش في خير حال، تبدو دائماً قلقاً مشذباً مندداً مزعزعاً حتى يقول ابن القيم: إن العاصي دائماً إذا سمع نفحة من ريح يظن أن الصوت عليه، قال تعالى:{يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ}[المنافقون:٤] ولذلك هو في وحشة، العاصي لو تحرك الباب خاف، لو سمع البوليس انتفض، لو أتت دعاية قال: ضدي، ولذلك:
كاد المريب أن يقول خذوني
فهي وحشة بينه وبين الله لأنه كما قيل: أوصدتم طرق الإجابة والقبول بينكم وبين الله، فكيف تطلبون حلاوة؟
قيل لـ أبي معاذ الرازي: أيجد العبد حلاوة الطاعة إذا هم بالمعصية؟ قال: لا والله، ولو فكر فيها، أي: إذا عمل معصية هل يجد حلاوة الطاعة؟ قال: لا والله، حتى ولو هم بها، مجرد هم لا يجد حلاوة الطاعة من الوحشة.
والوحشة هذه لها آثار منها:
الأول: أن العبد لا يثق في موعود الله، أي: آيات الرجاء، وآيات الخير وآيات الوعد الحسن لا يثق فيها ولا يجد فيها مصداقية، ولذلك يقرأ المصحف ويمر على آيات الجنة ورحمة الله عز وجل وكأنها ليست بآيات.
الثاني: لا يحسن ظنه بربه في لقائه، ولذلك جعلوا حسن الظن بالله من حسن العمل.
الثالث: أنه لا يتهم نفسه؛ لأنه في وحشة، ولأنه يرى أن ما بينه وبين الله مقطوع، فلا يعيش سهاماً لنفسه، حتى قالوا: إن من أسباب هذا قضية النفاق، قال الحسن البصري:[[لا يخافه إلا مؤمن، ولا يأمنه إلا منافق]] والنفاق والوحشة هذه تصاحب العبد حتى يريد أن يقضي عليها وينهي عليها ببعض المجريات والأمور لكن يأبى الله، الآن بعض الفسقة أكثر الناس ضحكاً لا يضحك مثل الناس بل يقهقه قهقهة؛ لأنه مكبوت، ولأن في قلبه شدة وغلظة وفزعاً وقلقاً وخوفاً فيريد فرصة ينفذ بها إلى هذا المرح، تجده يزجي الأوقات في مجلة خليعة أو أغنية ماجنة أو مسلسل مهدم أو فيديو مخرب أو جلسة لاغية لاهية، ولذلك يخاف إذا سمع القرآن.
والله! لقد سمعنا بعض العصاة إذا سمع الراديو على القرآن يقول: لا، لا، دعونا نرتاح، دعونا نأكل العيش، دعونا نطمئن قليلاً؛ لأن القرآن هذا يستنفر طاقته ويؤنبه ويبكته ويوقفه أمام الله في محاسبة، ويدخل عليه من أقطار الناس ولذلك يخاف ويوجل، إنما يهدأ مع الموسيقى، الموسيقى الإيطالية قبل النوم، أو الألمانية بتهوفن، ولذلك يستيقظ على الموسيقى، ويمسي على الموسيقى.