[لون الكفن]
السؤال الرابع عشر: هل هناك سنة في لون الكفن؟
الجواب
روى ابن عباس عند الخمسة إلا النسائي أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {البسوا من ثيابكم البياض؛ فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم}.
والبياض لون جميل، وهو من أحسن ما يلبسه العبد المؤمن، والبياض مذكورٌ في كثير من الأحاديث، يقول عليه الصلاة والسلام في دعاء الاستفتاح: {ونقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس}.
وقال عمر رضي الله عنه كما ذكر مالك في الموطأ، في آخر الباب: [[يعجبني أن يكون ثوب القارئ أبيض]] فقوله صلى الله عليه وسلم: {البسوا البياض؛ فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم} دليل على أن السنة في الكفن أن يكون أبيض، تفاؤلاً أن يبيض الله وجه هذا الميت، وأن يكون هذا الثوب منقى من الأوضار والأوساخ والأدران.
والله المستعان، وقد قيل:
خذ القناعة من دنياك وارضَ بها لو لم يكن لك إلا راحة البدن
فانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير اللحد والكفن
أو كما قيل.
ولذلك لم يذهب أحد من الناس من القرون الأولى والأخيرة إلا بالطين والكفن، وهذه عبرة للمعتبرين، وعظة للمتعظين؛ أنه لا يذهب الإنسان من هذه الدنيا إلا بالطين والكفن أبداً قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:٩٤].
يقولون: لما حضرت أبا بكر -رضي الله عنه وأرضاه- الوفاة أتوا بثيابٍ جديدة، فقال: [[ما هذه الثياب؟ -وهو في سكرات الموت- قالوا: نكفنك فيها.
قال: لا.
الحي أولى بالجديد من الميت، وأنا ميت فإذا مت فاغسلوا ثوبي هذا -ثوب قديم كان يصلي فيه ويجاهد ويتصدق ويقرأ القرآن ويسبح؛ أبو بكر الإسلام، وأبو بكر الدين، وأبو بكر الإيمان، وأبو بكر المجاهد صاحب المواقف الخالدة- قال: إذا مت فاغسلوا ثوبي هذا، وكفنوني فيه وقال: اذهبوا بثوبي الآخر إلى عمر، وبالبغلة، وبهذا الجمل، وقولوا: يا عمر اتق الله، ليصرعنك الله مصرعاً كمصرعي.
فلما ذهبوا بهذا إلى عمر، بكى حتى جلس وقال: أتعبت الخلفاء بعدك يا أبا بكر]] لأنه أوصاه وقال: هذا الميراث، وهذا بقية الميزانية، فهل أكلت أموال الأمة؟، وكان أبو بكر الصديق يحكم الشام والعراق والجزيرة واليمن، يحكم ما يقارب ست دول الآن، فلما حضرته الوفاة ترك في بيت المال بغلةً له وجملاً وثوباً وقال: ردوه إلى بيت المال، إلى عمر الخليفة الذي بعدي، وقولوا: يا عمر انتبه، ما تركت أنا إلا هذه، فلا تلعب بالأموال، ولا تبدد الثروات، ولا تحاول أن تلغي العدل في مملكتك فيأخذك الله، فبكى عمر وقال: [[أتعبت الخلفاء بعدك]].
واستطراداً أنا أذكر قصة ذكرها ابن القيم، يقول: كان أبو بكر يخرج بعد صلاة الفجر كل يوم -كان إذا صلى الفجر في المسجد يخرج إلى البادية، إلى ضاحية من ضواحي المدينة قريبة- فيجلس في خيمة هناك حتى طلوع الشمس ثم يعود فافتقد عمر أبا بكر -رضي الله عنهم جميعاً- وسأل أين يذهب هذا الخليفة؟ -خليفة المؤمنين، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم- فذهب وراءه، فلما خرج أبو بكر من الخيمة اختفى عمر ودخل بعده فوجد عجوزاً عمياء جالسة معها أطفال.
قال: يا أمة الله من أنت؟ قالت: عجوزٌ عمياء.
قال: أين أبوكم؟ قالت: مات منذ زمن، وأنا وأطفالي ليس لنا عائلٌُ إلا الله، ثم الشيخ الذي يدخل علينا هذا.
قال: أعرفتيه؟ قالت: ما عرفته -وهو أبو بكر، لأن أبا بكر ما قال: أنا أبو بكر، ولم يعلم بنفسه، ولم يخبر باسمه- قال عمر: فماذا يفعل إذا دخل عليكم؟ قالت: يقُّمُّ بيتنا -يكنس البيت أولاً- ويحلب شياهنا، ويغسل ثيابنا، ويصنع لنا طعامنا.
فجلس عمر وكان واقفاً وبكى وقال: أتعبت الخلفاء بعدك]].
فهذه سيرة حميدة، وهذا سجل التاريخ، وهكذا تساس الأمة، ويقاد الأجيال، ويعلم وينشر الدين بهذه الأخلاق النيرة، حتى الغرب، وحتى أعداء الله عزوجل يعترفون بهذه السيرة.
وقد قرأت أن أحدهم يسمى كرس مرسن أمريكي يقول: "أعطوني إسلاماً كالإسلام الذي يعيشه عمر وأدخل في الدين".
ولذلك جعل مايكل هارف وهو أمريكي؛ صاحب العظماء المائة، عمر رقمه (٥٦) وقال: إنه عظيم، وإنه أثبت عظمته بسيرته التي طوقت الدنيا.
هل تدرون من الأول عند مايكل هارف؟ هو الرسول عليه الصلاة والسلام، جعله الأول في الكتاب وقال: " إني أعلم أن الشعب الأمريكي سوف يغضب يوم جعلت محمداً الأول "، قلنا: أرغم الله أنفك وأنف الأمريكان، وهل كان عليه الصلاة والسلام إلا عظيماً، سواء رضيت أم أبيت، وهذا هو المقصود.