للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[كيفية الجلوس في مجالس العلم]

القضية الثالثة: استحباب التحلق: من السنة في مجالس العلم أن تكون حلقة، أي: دائرة، لكن إذا كان هناك كلفة على الناس، أو لم يتسع المكان فلا بأس أن يجلسوا صفوفاً، لأنه ثبت أن الصحابة جلسوا مع النبي حلقاً، وثبت أنهم جلسوا صفوفاً، وثبت أنهم جلسوا وبعضهم ولى بظهره إلى القبلة.

بل بعض الصحابة كان في عهد أبي بكر وعمر، يسمع الخطبة وظهره إلى جهة القبلة، فإذا قامت الصلاة استقبل القبلة فليس في الأمر شيء، فهذا إن شاء الله وارد، لكن أورده ابن حجر فأحببت أن أنبه عليه.

والقضية الرابعة: يقول صلى الله عليه وسلم: {فاستحيا فاستحيا الله منه} فيه إثبات صفة الحياء لله عز وجل، وصرفها ابن حجر عن ظاهرها لأنه أشعري في الصفات كما يظهر، ولذلك تجدون سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز يتعقبه في الصفات في الحاشية.

يقول ابن حجر: استحيا الله منه أي: رحمه ولم يعاقبه، فأوَّل الصفة، والصحيح أننا نثبت صفة الحياء لله عز وجل كما تليق بجلاله لا نشبه ولا نمثل ولا نكيف، لأن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً} [البقرة:٢٦] فلما نفى الاستحياء عن نفسه في ضرب المثل عن البعوضة، دل على أنه تعالى يستحيي من أشياء أخرى.

فعلم بمفهوم المخالفة أنه يستحيي سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك ورد حديث سلمان في السنن بسند حسن، قال: يقول صلى الله عليه وسلم: {إن الله يستحيي من أحدكم إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا} الله عز وجل الذي خلق السماوات والأرض وخلقنا وخلق الناس أجمعين يستحيي منك أيها العبد الضعيف أن يرد يديك صفراً بلا عطاء منه.

لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه من جود كفيك ما علمتني الطلبا

يقول أهل العلم: في هذا الحديث فضل سد الفرجة، ووصل الصفوف، لأن هذا الأول رأى فرجة فدخل فيها، فدل على فضل من عمل هذا العمل، وهو أحسن الثلاثة عند الله عز وجل قال النبي: {أوى فآواه الله} وآوى الأولى تنطق: بالمد، وبالقصر، والأرجح أنها بالقصر لقوله تعالى: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف:١٦] {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون:٥٠] فلكم المد ولكم القصر، والقصر أولى.

ورد حديث في سد الفرجة وهو قوله صلى الله عليه وسلم: {من وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله} وهو صحيح، واعلموا أن من أتى والصفوف قد اكتملت فإنه لا يجر رجلاً من الصف، والحديث الذي فيه ذلك حديث باطل، فيه السري بن إسماعيل وهو متروك، يقول الناظم:

والطبراني قد روى جر الرجل فيه السري ضعفوا ما قد نقل

فهو متروك ولا يصح أن يستشهد به.

فلك أحد الحلول الثلاثة: إما أن تدخل مع الإمام، وإما أن تراص الصفوف مراصة، فتدخل فيها وتصلها، وإما أن تنتظر قليلاً؛ فإذا لم يأت أحد فتصل وصلاتك صحيحة، ولا شيء فيها إن شاء الله، لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:١٦] وهذا هو الموافق لكلام شيخ الإسلام ابن تيمية.

<<  <  ج:
ص:  >  >>