[من جوانب الخير: أنهم رصيد الإسلام]
أيها الإخوة! إن هؤلاء رصيد للإسلام، لا بد أن نتعرف عليهم، ولا بد أن نهديهم إلى الله، لأنهم سوف يكونون مجاهدين في سبيل الله لو حلت في البلاد فتنة.
أيضاً يكونون عوناً في الأزمات بإذن الله، أيضاً رصيد للدروس والمحاضرات، وطاقمٌ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم يحملون الدعوات الإيمانية والرسالات النبوية، وفيهم خير كثير لكن إذا عرفنا كيف نستغلهم وكيف ندخل إلى قلوبهم.
وكثير من الدعاة أثابه الله أحسن في الدخول إلى قلوبهم من القديمين والمحدثين، وأذكر من الأمثلة التي تحضرني الآن من الدعاة في هذا العصر، ولو أنه توفي قبل سنوات رحمه الله وأسكنه الله فسيح جناته، وهو الشيخ عبد الله القرعاوي وقد دعا في منطقة جيزان، ولكنه ضرب أروع الأمثلة في الصبر والحلم والعطاء والبشاشة، والدخول إلى قلوب الناس، ذكر لنا أحد تلاميذه من العلماء قالوا: أتى مرة يخطب في السوق، واجتمع الناس عليه، وشيخ القبيلة كان غاضبًا، وأحياناً بعض الناس من وجهاء القبائل أو وجهاء البلد، إذا غضب لا تسير الأمور في مسارها الطبيعي، قالوا: فأرسل إليه من أقوياء هؤلاء الذين معه، فأرسل إليه شيخ القبيلة، فأوقفه، وقطع عليه كلامه، فذهب من السوق هذا الداعية، ماذا قال؟ أدعى على هذا؟ لا.
أسب وشتم؟ لا.
هل قال: كفى؛ قد بلغت ما عندي ويكفي إذ قد منعت؟! لا.
إنما أخذ كيساً من الدراهم على وقته، وذلك قبل ثلاثين أو أربعين سنة
وهذه عقاقير طبية نافعة، من جربها عرف أنها فيتامين (واو) والرسول صلى الله عليه وسلم استغلها كثيراً في خدمة لا إله إلا الله، أعطى بعض الصناديد مائة ناقة حتى دخل في الإسلام، وأعطى بعضهم ثياباً وذهبًا وفضة.
ذهب هذا الداعية (ببقشة) وفيها ملابس وشيء من دنانير وكأنه ما عرف شيئاً عن تصرف هذا الشيخ، التصرف الجارح المؤذي، وطرق عليه الباب، قال: من؟ قال: أنا فلان، قال: أنت الذي يتكلم ويجمع الناس ويفعل، وانهد عليه بمحاضرة شاتمة، قال: مهلاً! جئت أولاً أسلم عليك، وقصدتك في هدية، ومعي بعض الثياب، وأنا أردت أن أعرض عليك دعوتي، فإن أحسنتُ في عرض دعوتي فاتركني أحدث الناس وإلا فرأيك، قال: وكانت عنده شيشة.
ونحن لا نؤيد أهل المعاصي في شيشهم ولا في دخانهم، ولا نقرهم عليها، لكنها مرحلة كما فعل عليه الصلاة والسلام، الأصنام كانت حول الكعبة، ومع ذلك ما كسرها أول يوم، حتى أقر في القلوب لا إله إلا الله، لا تبدأ بالمعاصي الصغيرة، فينفر عنك الناس، لا تبدأ مباشرة على الرجل، تقول: ولماذا تحلق لحيتك؟ حتى تغرس في قلبه لا إله إلا الله، لا تناقشه وتشاتمه على إسبال الثوب حتى تزرع في قلبه زهرة: إياك نعبد وإياك نستعين.
فانشرحت أسارير هذا الشيخ، وأخذ البقشة أولاً، وأَخْذُها خطوة جيدة، بمجرد الأخذ انتهى الأمر وقال: اعرض علي، قال: أنا أدعوهم إلى الإيمان، وإلى التوبة النصوح، وإلى الصلوات الخمس، وإلى طاعة من ولاه الله أمرهم مثل طاعتك، وطاعة أمثالك، لأني أسمع أنهم قد يعصونك أحياناً، قال: أثابك الله، قال: يا فلان -لذاك القوي الذي أرسله- اجمع الناس، ومن تخلف فلا يلومن إلا نفسه، فجمعهم وقام الداعية، فقال فيهم كلاماً عجيباً، وأخذهم بالمدارس، وبالدعوة والتحفيظ، حتى ردهم إلى الله، حتى أثبت جدارته في منطقة شاسعة، فيها ألوف مؤلفة من البشر.
هذه هي الدعوة التي تدخل إلى القلوب بدون استئذان، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الحكمة: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:١٢٥].