للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حال الصالحين عند الموت]

في ترجمة سعيد بن المسيب، عالم التابعين وزاهد الأمة لما حضرته الوفاة بكت ابنته فقال: [[لا تبكي علي، والله ما أذن المؤذن منذ أربعين سنة إلا وأنا في مسجد محمد عليه الصلاة والسلام]].

هنيئاً لك:

تلك المكارم لا قعبان من لبن شيباً بماء فعادا بعد أبوالا

هذه مؤهلات المخلصين: صلاة في المسجد جماعة وذكر وتلاوة وخشوع وزهد.

أما الأعمش سليمان بن مهران فإنه: لما حضرته الوفاة قال لابنته: "لا تبكي علي، فوالله ما فاتتني تكبيرة الإحرام في الجماعة ستين سنة"! هذه هي المؤهلات التي تنجي أصحابها.

أما الخليفة عبد الملك بن مروان الخليفة لما حضرته الوفاة بكى وقال: يا ليتني كنت غسالاً، يا ليتني ما توليت الملك ولا عرفت الخلافة.

قال سعيد بن المسيب: " [[الحمد لله الذي جعلهم يفرون إلينا وقت الموت ولا نفر إليهم]].

هذه القضية الكبرى علمها قوم علم الظن وعلمها قوم علم اليقين، فأما الذين علموا هذه القضية علم اليقين فحافظوا على الصلوات الخمس، وبروا مع الله، ووصلوا الأرحام، وأحسنوا إلى الجيران، وصدقوا، وأكثروا من ذكر الله، واجتنبوا الحرام، وأما أهل الظن فإنهم يصلون -ربما- مع الناس، ويصومون -ربما- مع الناس، ولكن سهرات مائعة وليال حمراء، وفجور ومراوغة لحدود الله وانتهاك لحرمات الله.

في صحيح البخاري: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام تناول ذراع الشاة فنهش منه نهشة فقال: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة.

أتدرون مما ذاك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.

قال: إذا جمع الله الأولين والآخرين يقوم الناس إلى آدم فيقولون: يا آدم! اشفع لنا عند ربك أما ترى ما نحن فيه -أو كما قال عليه الصلاة والسلام- فيقول: نفسي نفسي، اذهبوا إلى نوح فيقول: اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إلى إبراهيم فيعتذر ويقول: نفسي نفسي، فيأتون موسى فيعتذر، فعيسى فيعتذر، فيأتون الرسول عليه الصلاة والسلام فيقول: أنا لها، أنا لها}.

قال حافظ الحكمي رحمه الله:

واستشفع الناس بأهل العزم في إراحة العباد من ذي الموقف

وليس فيهم من رسول نالها حتى يقول المصطفى أنا لها

وهذا هو المقام المحمود الذي يغبطه عليه الأولون والآخرون صلى الله عليه وسلم، والذي ندعو له به في أدبار كل أذان: {اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه اللهم المقام المحمود الذي وعدته}.

هذه هي الدعوة التي ندعو بها لرسولنا عليه الصلاة والسلام، وهذا هو المقام العظيم في الطامة الكبرى.

في الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام من حديث ابن عباس: {إذا جمع الله عز وجل الناس، يقول الله يوم القيامة: يا بن آدم جعت فلم تطعمني، قال: كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان جاع فما أطعمته، أما إنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا بن آدم مرضت فلم تعدني، قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان مرض فلم تعده، أما إنك لو عدته وجدت ذلك عندي الحديث} وفي الحديث دروس منها: أن من فعل خيراً وجده {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:٧ - ٨] ومنها: أن أقرب الناس من رب الناس أنفعهم للناس وهناك حديث يحسنه بعضهم مثل السخاوي: {الخلق عيال لله عز وجل، فأحبهم إليه أنفعهم لعياله} وكثير من أهل العلم من المحدثين يضعفون هذا الحديث عنه عليه الصلاة والسلام، ولكن معناه صحيح.

<<  <  ج:
ص:  >  >>