[الدعوة إلى الله وطلب العلم]
مسألة التثبيط عن الدعوة أو التثبيط عن الجلوس لطلبة العلم، أو عن التدريس موجودة في الأوساط، وهذه سطرها وأملى صحفها الشيطان، يأتي إلى طالب العلم وقد أخذ حداً لا بأس به من العلم وفهم، وفتح الله عليه، فيريد أن يجلس لإخوانه وزملائه، وطلبة العلم في حيه، ليعلمهم الكتاب والسنة، فيأتيه الشيطان ويقول له: استح من الله، كيف تجلس؟ أأنت ابن باز أو ابن عثيمين تتصدر للناس، أما تستحي، من أنت حتى تجلس وتعلم الناس؟! فيقوم طالب العلم ويقول: أستغفر الله وأتوب إليه، اللهم إنك تعلم أني كنت أريد أن أحدث الناس، فقد تبت إلى الله من تحديث الناس، فيبقى الناس جهلة، وهذه خطط الماسونية، لأن الشيطان ماسوني، وهو مؤسس الماسونية، بل كل مبدأ هو الذي ألف الكتب له , وعنده -كما يقول بعض الدعاة- رسالة دكتوراه في علم النفس، فإذا رآك متجهاً في جانب أرصد لك منه، إن رآك تريد العبادة وأنت مجد في طلبها، قال: حياك الله وأهلاً وسهلاً بهذا العابد، الذي ما وجد في الجزيرة أعبد منه، وقال: لا تكتفي أنت بالنوافل، وما دام أن الله نصبك للعبادة فأكثر
يقول ابن القيم: يحمل الشيطان بعض الناس على أن يتوضأ ويغترف أربع غرف -للعضو أربع مرات- فلايكفيه ثلاث مرات لأنه من طراز وصنف آخر.
ويأتي إلى الداعية الذي يريد الدعوة، ويريد التكلم لينفع الله به في مستواه ويقول: حياك الله، أنت المفتي الأعظم، ومن يؤخرك عن الفتيا وهي سهلة وميسورة، ومن صعب عليك أمر الإفتاء، افت وتوكل على الله، والذي عقد رأس الحبال يحله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فيقحمه في الفتيا.
ويأتي إلى الخامل المنكسر في بيته الذي حمله علمه فجلس به في بيته لا يبلغه للناس، قال: ما أورعك وما أزهدك! ما أشد تواضعك ما أحسنك! عليك أن تزيد خمولاً، وأن تنتقل من هذه القرية إلى البادية، لأنها تورث لك شهرة، وإن كان في المدينة أمره أن يخرج إلى القرية؛ لأن العلماء وطلبة العلم والدعاة خناجر مسمومة في نحر إبليس، وما ضرب إبليس بسيوف أشد من ضرب العلماء له، وعالم واحد أشد على الشيطان من ألف عابد، لأن العابد يصلي الضحى، فإذا انتهى تنفل للظهر، فإذا انتهى من الصيام أتى في قيام الليل، أما العالم فإنه يحي الأرواح، ويدمر الإلحاد والوثنية في الدنيا، ويقيم منائر الحق، فأنا أدعو نفسي وإياكم أن نجلس لإخواننا جلسات، وهذا أمر ميسور، حتى يقول أحد الأساتذة: نحن المسلمون ليس عندنا أسرار، مبادؤنا تعلن من على المنبر، نعلم الناس لا إله إلا الله والمسح على الخفين والتيمم والوضوء والحيض، وهل في هذا شيء، فهذه رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي سنن أبي داود أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه جمع أهل الكوفة، فلما اجتمعوا عليه قال لهم: يا أيها الناس! انظروا إليَّ، فنظروا فقام وتوضأ، فلما انتهى قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ.
أبو الحسن علي بن أبي طالب يتوضأ ويقول للناس: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فهل عز علينا -يا طلبة العلم- أن ندعو الناس في القرى والضواحي، وأن نجلس بين أيديهم، ونتوضأ كما توضأ الرسول عليه الصلاة والسلام، ونقول: هكذا توضأ الرسول عليه الصلاة والسلام، أليس بعلم , والله ربما يكون وضوءك مرة واحدة أمام هجرة من الهجر، أو قرية من القرى، خير من رسائل الدكتوراه التي أخذت أعمارنا في مقابلة نسخة دار الشروق بنسخة بولاق وتحقيق الحاشية، ثم خرجت الأمة إلى أحشى الحواشي، وبعد سنوات ينقل الإنسان برسالته الماجستير والدكتوراه إلى القبر، والأمة تعيش في الظلام الدامس، وأنا أعرف وأنتم تعرفون أن من هؤلاء العلماء، ومن أهل هذه رسائل من نفع الله به الإسلام، ورفع به قيمة الدين في كثير من الأماكن.
ولا يعني هذا التهوين من شأنها لكن لا تكون مقصداً ولا تكون هي المبدأ ولا الحل، ولكن الظاهرة التي سمعنا ورأينا من بعض الناس، وعلمنا من هو أعلم منا التخاذل عن التعليم وتبليغ الدعوة، وعن الدعوة إلى الله عز وجل حتى تكدست المدن بطلبة العلم أهل التخصص، في الحديث ثلة من الثلل، وفي التفسير ثلة، وفي الفقه ثلة، في كل المستويات والتخصصات، ثم لا تدريس ولا تعليم، فكيف تحيا الأمة.
هل الأمة تحيا بفكر؟
يأتي شاب عمره ست عشرة سنة أو سبع عشرة سنة، فينظِّر للأمة والشباب تنظِّيراً فكرياً تعبيرياً ويقول: هذه الصحوة وهذا العلم، وليس هذا بالعلم ولا بالصحوة، ولذلك استغل الساحة اليوم أهل الحداثة ممن أخذوا الأقلام وسخروها في هذا المنحنى، غروا الشباب بهذا الموكب، انظر كيف يبذلون لمبادئهم ولأغراضهم ولرموزهم ما لا يبذله الواحد من طلبة العلم، أو عشر معشار مايبذله، يسهر الليل يفكر ما هي الوسيلة التي يكتب بها في أدب الحداثة ويبلغه للناس، وعنده مركب وفي صدره شيء، والله أعلم بنواياه، أما ظاهره من قبله الرحمة، يريد تثقيف الناس وتعليم الناس، وباطنه من قبله العذاب.
المقصود أن نعرف كيف يبذل هؤلاء مهجهم وأقلامهم، ويسيلون مداد أقلامهم في خدمة مبادئهم، ونحن إن لم نفعل لذلك نقول ذلك: يا أهل الحديث، ويا أهل التفسير، ويا أهل الفقه، ألا يكون لنا مجال في الساحة؟ ألا يكون لنا قلم يكتب؟ ألا يكون لنا متحدث يتحدث والأبواب والحمد لله ميسرة، والأمور مسهلة؟ بقي أن نجلس وأن نقول لطلبة العلم: قد جلسنا فتعالوا، ما عندنا أعطيناه لكم، وما ليس عندنا فلا نتكلفه: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص:٨٦]
إن علمنا بشيء قلنا: نعلم هذا، وإن جهلناه قلنا: الله أعلم.
هذا ما في هذه العجالة وهذا ما أريد أن أقوله لكم، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته سلاماً كثيراً مباركاً.
اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إن نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.