للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[استشهاد عمر]

بينما عمر في صلاة الفجر يصلي، أراد الله أن يشرفه بالشهادة، في أحسن فريضة (صلاة الفجر) وفي أحسن مكان (مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام) فلما كبر وركع تقدم له أبو لؤلؤة المجوسي من فارس، رجل مجرم، حاقد على الإسلام، فأخذ خنجراً سمها بالسم شهراً كاملاً حتى أصبحت زرقاء، ثم ضربه بحدين ثلاث ضربات، ست طعنات، فوقع على وجهه وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، الله أكبر، حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، ثم التفت بعد الركعة الأولى قال: من قتلني؟ وتقدم ابن عوف أحد الصحابة فأكمل الصلاة، قالوا: قتلك أبو لؤلؤة المجوسي، قال: [[الحمد لله الذي جعل منيتي على يد رجل ما سجد لله سجدة]] قال أنس: فرفعناه على أكتافنا، ودماؤه تثعب على ثيابنا، وكأن القيامة قامت، قال: فوالله ما ذكر مالاً ولا ولداً، ولا زوجة ولا ميراثاً، وإنما يقول: هل أكملت الصلاة؟ قالوا: لا.

قال: هل صليت؟ قالوا: لا.

قال: الله المستعان!

فذهبوا به إلى البيت فوضعوه على حصير عنده، فرفع الحصير عن التراب، ومرغ وجهه وهو يبكي والناس يبكون حوله ويقول: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه، يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه، ثم قال: صدق الله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:١٥ - ١٦] فوضعوه على الفراش، ووضعوا تحت رأسه مخدة قال: انزعوا المخدة عن رأسي، عل الله أن يرحمني، فقال علي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين! طوبى لك الجنة، توليت فكانت ولايتك رحمة، وأسلمت فكان إسلامك نصراً، وهاجرت فكانت هجرتك فتحاً، قال: [[ليتني نجوت كفافاً لا لي ولا علي]] ثم قال: يا ليت أمي لم تلدني، يا ليتني كنت شجرة تعضد، يا ليتني ما عرفت الحياة، وهو من الصادقين الكبار، وهو من الزاهدين الأخيار، وهو من أعظم من صام بعد أبي بكر وبعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عمر بن الخطاب رضي الله وأرضاه، كان يطوف على رعيته في الظلام الدامس، ويقول: يا رب أتحاسبني بكل طفل، وبكل يتيم وبكل مسكين، وكان يبكي ويقول: كم قتلت يا عمر من أطفال المسلمين! فرضي الله عن تلك الروح الطاهرة، وسقى الله تلك العظام شآبيب الرحمة، وألحقنا بهم في دار الصدق.

والمقصود من هذا الكلام: هو الصدق مع الله والإخلاص فإن من أخلص لله في عبادته، رزقه الله بالصدق صدقاً، وبالإخلاص إخلاصاً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>