للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التوحيد الصافي الجميل]

التوحيد الصافي الجميل أن تعبد الواحد الأحد، وأنا لا أدخل في مصطلحات أهل العلم، ولا في خلافهم لكني أريد عبارة مبسطة يفهمها العالم وطالب العلم، والعامي والأعرابي عل الله أن ينفع بما نقول ونسمع.

أتى صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، وسره أن تتعلق بالباري، وأن تعتقد أنه لا ينفع إلا الله، ولا يضر إلا الله، ولا يشافي إلا الله، ولا يعافي إلا الله، ولذلك لام الله من اتخذ الأنداد فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:٣] فأتت العقيدة سهلة مبسطة، عرضها الله في القرآن، يعرفها العامي يوم يقرأها، والأعرابي والبدوي والعجوز.

يقول سبحانه وهو يضرب أمثلة على قدرته: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:١٧ - ٢٠] ويقول الله عز وجل وهو يضرب لنا الأمثلة عن البعث والنشور: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:٢٥٨] فكانت عقيدة سهلة.

صح عنه عليه الصلاة والسلام أن أعرابياً سأله: ما هو الدين؟! ومن هو الله؟! فقال: {الله الذي إذا أصابك ضر فدعوته كشف عنك الضر} هذه العلامة للواحد الأحد دليل قدرته، فلم يعطه مصطلحات، وما ملأ ذهنه معلومات، بل بسَّط له -وهو الذي إذا مرضت فدعوته كشف عنك الضر قال: وهل نبعث بعد الموت؟ -لأن مشكلة العرب وأزمتهم وجريمتهم في الجاهلية أنهم: ما اعترفوا بالبعث بعد الموت، هضموا كل شيء إلا البعث بعد الموت، أتى العاص بن وائل ففتت العظم أمام المصطفى صلى الله عليه وسلم ونفخ هذا الفتات قال: يا محمد! أتزعم أن ربك يبعث هذا؟ قال: {نعم.

ويدخلك النار} قد تولى الله الرد عليه، وأدحض حجته، وكذب مقالته فقال: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:٧٨ - ٧٩] وقال أيضاً: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:١ - ٢].

والله عز وجل ضرب بإنزال الغيث وإخراج النبات ما بين ورد أحمر، وأصفر، وأخضر، وبقع جميلة، وأغصان فيحاء في حدائق جميلة، ضرب المثل على البعث، فقال: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق:٩ - ١١].

قال: {يا رسول الله! وهل يعيدنا الله عز وجل بعد أن نموت؟ قال: إي والذي نفسي بيده، قال: كيف يعيدنا؟ قال: أما مررت ببقعة قد مات نباتها؟ قال: بلى} انظر إلى العقل، انظر إلى الدين الصادق الذي يصل إلى القلب قبلته المعمورة، وسرى في الناس لأنه يخاطب الفطرة: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم:٣٠] قال: {أما مررت بأرض قد مات نباتها؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: أما مررت عليها بعد فترة وقد حيت واخضرت؟ قال: بلى.

قال: فمن أحياها؟ قال: الله.

قال: فإن الذي أحياها يحييك بعد أن تموت} فأسلم الأعرابي.

جاء أعرابي إلى رسول الله فقال: {يا رسول الله! من خلق السماء؟ قال: الله، قال: من خلق الأرض؟ قال: الله، قال: من نصب الجبال؟ قال: الله، قال: أسألك بمن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أرسلك؟ قال: نعم.

كان متكأ فجلس -سؤال لو وضع على الجبال لدكدكت، أعظم سؤال طرح في الدنيا- قال: أسألك بمن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم، فأخذ يسأله حتى انتهى من أركان الإسلام- الدين السهل البسيط الرائع- قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص، أنا ضمام بن ثعلبة أخوه بني سعد بن بكر، ثم ولى، فقال عليه الصلاة والسلام: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا} حياه الله وحيا دينه، ما أسهله! وما أبره! وما أرحمه!

قال تعالى: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:١ - ٢] وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:٢١] وقال أيضاً: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨].

التوحيد جميل، التوحيد أبيض كالثوب الأبيض، أي شيء يتدنس به يظهر، التوحيد فيه صلاح أي شيء، لو قلت: ما شاء الله وشاء فلان خدشت توحيدك، لو قلت: وأبي خدشت توحيدك، لو قلت: وحياتي خدشت توحيدك، لو قلت: وشرفي ونجاحي خدشت توحيدك، التوحيد أبيض.

لو اعتقدت في شخص أنه ينفع ويضر من دون الله ثلمت توحيدك، التوحيد شفاف، لو زعمت أن رجلاً يشافي ويعافي ويمرض، وينجح ويرسب من دون الله ثلمت توحيدك؛ لأنه لا ينفع إلا الله، ولا يضر إلا الله قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:٦٦]

<<  <  ج:
ص:  >  >>