أيضاً أدعو أولئك الشباب، وأسألهم سؤالاً، وأوقفهم أمام التاريخ، وأوقفهم أمام الأيام، أمام الدهر، وأوقفهم أمام الكرة الأرضية بأسرها، من هو قدوتهم؟ أنا أعرف أنهم سوف يقولون لي: إن قدوتهم محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا باللسان وليس بالفعال، لكن الواحد منهم يقتدي بمغنٍ أو بلاعب أو بموسيقار عابث، أنا أدعوهم أن يقتدوا بخير من خلق الله، أنا أدعوهم أن يقتدوا بصفوة الله من خلقه، أنا أدعوهم أن يتأسوا بأصدق من خلق الله، وأكرم من خلق الله، وأبر من خلق الله، وأحلم من خلق الله، بأبي هو وأمي:
يا قاتل الظلم فارت ها هنا وهنا فضائح أين منها زندك الواري
يا صاحب المثل العليا وهل حملت روح الرسالات إلا روح مختار
أنا أسألهم أن يقتدوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأن يدرسوا سيرته، ليست السيرة الجزئية التي صورت لهم محمداً صلى الله عليه وسلم أنه متعبد في مسجد دعا مرةً في مكة، ومرة في المدينة، وأن عنده بعض الصحابة كان يدرسهم بعض الأحاديث، محمد صلى الله عليه وسلم فجر للأمة، محمد صلى الله عليه وسلم رحمة؛ قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:١٠٧].
محمد عليه الصلاة والسلام بركة، محمد معصوم، محمد نعمة لهذه الأمة، أنقذها من الظلمات، وأخرجها إلى النور، قادها بإذن الله، أنا أدعوهم أن يقتدوا به، فهو قدوة الناس:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}[الأحزاب:٢١].
سيد قطب يقول في الظلال، وقد كان في مصر وهو في الأربعين من عمره، وكان في القاهرة، يقول ذلك في سورة النجم، ونعود إلى الظلال حيث القصة، كان يستمع يقول: فسمعت فجأةً صوت الراديو عند أحد جيراننا، يقرأ المقرئ في الراديو سورة النجم، فسكت أنا وزملائي لأسمع المقرئ وهو يقرأ:{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى}[النجم:١] فصحبت الرسول بروحي وعشت معه، وفارقت المجلس الذي أنا فيه، أبقيت شبحي معهم، أما روحي فقد ذهبت وسافرت، فمشيت مع الرسول صلى الله عليه وسلم في رحلة إلى العالم العلوي، وعشت مع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم تفجرت باكياً، وحاولت أن أحبس من هزة جسمي، فتحول جسمي إلى هزات عضلية، هكذا قالها في معاناته، أنا أريد الشباب أن يعيشوا القرآن، وأن يعيشوا حب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يعيشوا الأشواق والحب الحي الذي يسري في كل ذرة من ذرات دمائهم.
أيضاً من الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم: أن تدرس هديه دراسة واعية، من زاد المعاد ومن أمثاله من الكتب، حتى تكون على بينة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.