للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[قصة شابين عادا إلى الله]

ومما يؤثر في هذا الجانب شاب من الشباب هو في منطقة قريبة منا، يقول الذي روى لي القصة -وهو طالب علم في أصول الدين، ثقة وعدل- قال: هذا الشاب كان مشهوراً في قريته بالتمرد على آيات الله وأحكامه وعلى فرائضه وسننه، والعجيب أنه يروي القصة ويحلف عن نفسه أنه كان يلعب بالبلوت من بعد صلاة العشاء إلى بعد صلاة الظهر من اليوم الثاني، يجلس مع الزملاء من استمراء هذه الفعلة ومن ضياع الوقت وعدم الصلاة وعدم الإقبال على الله وعدم الشغل والدراسة، والنسب الموجودة في مجتمعاتنا الآن أن أكثر من يفشل في الأعمال والوظائف والمدارس هم الذين أعرضوا عن الله، وهذا معروف بنسب عالية، أعرضوا عن الله عز وجل ففشلوا في كل شيء، قال: فكان يجلس من بعد صلاة العشاء إلى بعد صلاة الظهر في اليوم الثاني يلعب بلوت، أما الصلاة فيقول: ما صلى ولا سجد لله سجدة، ولا شهد جمعة ولا عيداً ولا أي صلاة أبداً، ولا يعرف من القرآن شيئاً، ومعرض عن الله عز وجل، وأكره شيء إليه الدين.

وفي ليلة من اليالي أراد الله أن يهديه -ولله عز وجل حكم ولطائف- قال: نمت تلك الليلة وأتاني اختناق حتى أشرفت على الموت، وأحسست باليوم الآخر، انتهى الأمر وأنا في يقظة، استيقظت وإذا بمن يخنقني، وإذا بالخنق في رقبتي وفي عنقي، وأنا قد شعرت بالموت تماماً واستيقنت أني لقيت الله، وفي تلك الأثناء أتذكر قدومي على الله، ما عندي صلاة ولا ذكر ولا قرآن ولا توبة ولا صلاح، بماذا ألقى الله؟ وتذكر القبر وتذكر هذه الأمور؛ فعاهد الله وهو يختنق، كأن إنساناً يخنقه وهو لا يرى شيئاً لكن لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أسباب، قال: أعاهدك يا رب إن نجيتني أن أتوب إليك وأكون عبداً صالحاً، واستمر يعاهد الله حتى أخذ الله منه الميثاق ثم أفلته فاستيقظ، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، أتوب إلى الله، وقام فاغتسل وغير ملابسه وبدأ يصلي من تلك اللحظة قبل صلاة الفجر بساعات، وأخذ يصلي ويبكي حتى أتت صلاة الفجر، وسمع الأذان (الله أكبر) لكن ليس كالأذان كل يوم، اليوم له طعم، دخل الأذان إلى قلبه، فقام يجيب داعي الله ويذهب إلى المسجد، ورحب به المسجد في أول لقاء وبدأ يصلي، قال: أول صلاة صليتها كانت صلاة الفجر.

وأحد المفكرين له مفكرات كنت أطالعها فإذا فيها يقول: كنت في بيروت فركبت في سفينة فيها فتيات راكبات -أعوذ بالله-، قال: فانغمست بنا السفينة فكدنا نغرق، فأشرفت على الهلاك وأصبحت في غيبوبة، وكان في حالة اختناق، فرفع إصبعه وقال: أشهدك -يا رب- إذا أخرجتني أن أتوب، فأخرجه الله تعالى ليرى هل يتوب؟ فتاب الله عليه فأصبح مفكراً وداعيةً من دعاة الإسلام.

يقول عليه الصلاة والسلام: {إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها} ويقول عليه الصلاة والسلام: {يقول الله عز وجل: يا عبادي! إنكم تذنبون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم} ويقول عليه الصلاة والسلام: {لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم آخرين يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم} وهذه الثلاثة الأحاديث عند مسلم في الصحيح، وعند الترمذي بسند صحيح، يقول عز وجل: {يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة} مع العمل الصالح، مع الإنابة والاستغفار والتوبة إلى الله الواحد الأحد.

الشاب الثاني: اهتدى، وهذا الأخ أصبح الآن يعمل أستاذاً في مدرسة وهو داعية لكنه قبل ذلك أعرض عن الله طويلاً، وترك أمور الإسلام حتى بلغ درجة الكفر، أصبح كافراً لأنه من ترك الصلاة فقد كفر، كافر لكنه موجود في مدن المسلمين، ويأكل مع أهله ويروح ويأتي في السيارة لكنه كافر مثل الكلب، قال: واستمر بي الحال وأتاني بعض الدعاة لكن ما نفع شيئاً؛ لأن هداية الله تأتي في أوقات، والله هو الذي يفتح القلوب، قال: وأتاني رجل حبيب ما أنسى جميله، فأخذ الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لـ ابن القيم -جزى الله ابن القيم خيراً، وجزى الله هذه الداعية خيراً، وجزى الله هذا التائب خيراً- قال: فأتى بـ الجواب الكافي، وقال: تفضل يا أخي هذا الكتاب، ببسمة، وبعض البسمات تشتري القلوب، يقول جرير بن عبد الله البجلي: ما رآني الرسول صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي، يشتري صلى الله عليه وسلم القلوب بالبسمات، السحر الحلال، قيل لأحد العلماء: ما هو السحر الحلال؟ قال: تبسمك في وجوه الرجال.

يقول سبحانه لرسوله عليه الصلاة والسلام: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:٦٣] قال: فتبسم وأعطاني هذا الكتاب، فكان لهذه الهدية أعظم أثر في قلبي.

يا أيها الناس: الهدايا هي هذه الهدايا، الكتاب الإسلامي، الشريط الإسلامي، الموعظة، النصيحة، الخطب، التوجيه، الزيارة في الله، التأثير في الناس، أما هدايا الدنيا فقد امتلأت بيوتنا منها وما نفعتنا لا في الدنيا ولا في الآخرة، هدايا الأنعام والأقمشة والأحذية والأشربة والمشهيات: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} [النور:٤٠] إذا لم تكن لوجه الله فما تنفع قال: فأعطاني الكتاب فأخذته معي وذهبت وبدأت أقرؤه وبدأ الإيمان ينصب، كأن ابن القيم يحدد هذا الرجل المعرض، وبدأ يتأثر وما مر عليه إلا يوم وأعلن توبته، وأعلن أنه كان مخطئاً واعترف بالذنب أمام الله، وأشهد الله على الاستمرار في الطريق ومن الذي أقبل على الله فلم يقبله الله؟! هل رأيت إنساناً أقبل على الله فرده الله؟ هل رأيتم إنساناً فعل الأفاعيل ثم أقبل على الله وتاب فلم يقبله، سبحان الله! الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، أي: تبلغ نفسه حنجرته، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:١٣٥].

<<  <  ج:
ص:  >  >>