[معنى: (الطهور شطر الإيمان)]
قال صلى الله عليه وسلم: {الطهور شطر الإيمان}.
الطهور هو: النقاء والصفاء، قال سبحانه وتعالى: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف:٨٢] وقال سبحانه وتعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:٤] قيل دينك طهره من الأدناس، وقيل عرضك، وقيل ثيابك الظاهرة طهرها إذا أردت أن تصلي، واستدل أهل العلم بهذه الآية على وجوب تطهير الثياب، وأنها من شروط الصلاة، وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:٢٢٢] وقال سبحانه وتعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج:٢٦].
فالطهر دينه، والطاهر رسوله، والطاهر بيته، والله يحب التوابين ويحب المتطهرين، هذا الطهور، وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الطهور الوضوء، وعند الترمذي: {الوضوء شطر الإيمان} وعند مسلم (الطهور) فرادف بينها صلى الله عليه وسلم، وسمي طهوراً؛ لأنه يطهر الأعضاء، فنصف باطن ونصف ظاهر، فالظاهر يطهر بهذا الطهور، والباطن عمارته بلا إله إلا الله، فتجتمع عند المسلم طهارتان: طهارة في الظاهر، وهي الوضوء والغسل، وطهارة في الباطن، وهي الإيمان الذي غرسه الله في القلوب.
أما شطر: فهو عند أهل اللغة نصف، يقال شطر الشيء نصفه، ويقال شطر للقسمين، ولو لم يكونا نصفين كثلث وثلثين، فتقول لهذا الجزء شطر وهذا شطر.
إذا مت كان الناس شطرين شامت بموتي ومثن بالذي كنت أفعل
هذا هو الشطر، فالرسول عليه الصلاة والسلام جعل الطهور الظاهر شطراً ونصفاً، وجعل ذاك نصفاً، فصلى الله وعليه وسلم ما أبلغه!
أما الإيمان -إخوة الإيمان- ففيه ثلاث قضايا:
الأول: إذا ذكر الله الإيمان وحده دخل فيه الإسلام {وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب:٣٥] وإذا ذكر الإسلام مع الإيمان فالإسلام شيء والإيمان شيء آخر {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:١٤] فلما ذكر الإسلام والإيمان قال أهل العلم: إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.
وإذا ذكر الله عز وجل الإسلام وحده شمل الإيمان {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:٨٥] يشمل الإيمان أيضاً، فخذها قاعدة لتفهم.
الثاني: الإيمان يزيد وينقص عند أهل العلم، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والمؤمنون متفاوتون في الدرجات، فأعلاهم بعد محمد عليه الصلاة والسلام أبو بكر، ثم يبدأ العد التنازلي حتى يصل إلى من ليس في قلبه إلا مثقال ذرة أو شعيرة أو حبة من خردل، والناس ينجون يوم القيامة على الصراط بحسب إيمانهم، ولا يثبت إلا من زاد إيمانه، ويدخل بعض المؤمنين النار، ثم يخرجهم الله من النار بما في قلوبهم من إيمان، أعاذنا الله وإياكم من النار.
وأما الإيمان فإنه درجات، ومن يفعل كبيرة قالوا: يخرج إلى درجة الإسلام، فأعظم الدرجات الإحسان ثم الإيمان ثم الإسلام، فكل محسن مؤمن وكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمن ولا كل مؤمن محسن.