[أخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم في دعوته]
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في سبيل الله، حتى أتاه اليقين، فصلِّ اللهم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
تمنيت الحجاز أعيش فيه فأعطى الله قلبي ما تمنى
سقى الله الحجاز وساكنيه وروى كل رابية ومغنى
عنوان هذه المحاضرة عقبات في طريق الدعوة، ولها عناصر:
- ما هي العقبات التي تعرض للدعاة؟
- ما هي الحجب التي تغشى أبصار المدعوين؟
- ما هي الأزمات التي يتعرض لها من ينصح ومن يدعو ومن يوجه ومن يوعي الناس؟
هذا ما سوف نجيب عنه إن شاء الله، والموفق الله، والهادي الله.
إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده
أول العقبات: اتباع الهوى الذي يصد عن منهج الله.
العقبة الثانية: الكبر من المدعو فلا يقبل الحق.
العقبة الثالثة: كثرة أهل الباطل وقلة أهل الحق.
العقبة الرابعة: جلساء السوء الذين يصدون عن منهج الله وهم أعداء الأنبياء والرسل.
العقبة الخامسة: فتور الدعاة وضعف الدافع.
العقبة السادسة: انصراف الناس إلى الدنيا على حساب الدين.
وقبل أن أبدأ وقبل أن أتكلم، أقف مع أكبر داعية في العالم، فهو المصلح العظيم، أقف مع الذي هدى الله به البشرية، وأنار به أفكار الإنسانية، وزلزل به كيان الوثنية، أقف مع الرحمة المهداة، الذي قال الله له من فوق سبع سموات: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:٦٧].
فبلغ أتم البلاغ والله، وهدى أتم الهداية، إي والله، وجاهد أتم الجهاد، وايم الله، والله ما تركنا إلا على مثل البيضاء ليلها كنهارها، ما ترك خيراً إلا دلنا عليه، ولا شراً إلا حذرنا منه، نصح ووجه ودعا، وجاهد وخاطب وأفتى، وقدم دمه، ودموعه، وقدم وقته وماله وجهده.
المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء
أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شعب من الأموات أحياه
نشأ يتيماً، الناس عندهم أبوان، يدلل كل أب طفله وتدلل كل أم طفلها، أما محمد عليه الصلاة والسلام فيتيم.
أنت اليتيم ولكن فيك معجزة يذوب في ساحها مليون جبار
الشمس والبدر في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والنار
نشأ يتيماً يصارع الحياة، فما عرف حنان الأب، ولا رقة الوالدة، ونشأ عليه الصلاة والسلام مرة مع عمه، ومرة مع جده، ومرة مع قريبة، ما خان في جاهليته، فكيف يخون في الإسلام؟! وما كذب في حياته كذبة، فكيف يكذب بعد أن نزل عليه الوحي؟! قال عنه ربه: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [لنجم:١ - ٤].
يا من ألقى محاضرة، محمد عليه الصلاة والسلام ألقى آلاف المحاضرات، يا من دمعت عينه في مجلس دعوة، محمد عليه الصلاة والسلام سالت دماؤه في كل معركة في سبيل الله، إصبعه تسيل في حنين، وهو يقول:
هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت
بيته من طين وقد سكن الدعاة القصور، يسير في شدة الحر وقد تكيفوا بالمكيفات، ويركب على الحمار وقد استقلوا السيارات الفاخرة، فهو عليه الصلاة والسلام كما قال الأول:
كفاك عن كل قصر شاهق عمد بيت من الطين أو كهف من العلم
وصل إلى الأربعين فدعا إلى الله، فأخرجه قومه، القريب قبل البعيد، ذهب إلى أهل الطائف، فطردوه أين يذهب؟!
قتل أصحابه بين يديه، فبكى حزناً عليهم، لكنه عاد أقوى مما كان.
ضربت بنانه عليه الصلاة والسلام فما انهار، أصبح أقوى من ذي قبل، أتاه الخبر أن سبعين من القراء ذبحوا مرة واحدة، فسالت دموعه على لحيته الشريفة، وقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، جاءه الخبر وهو في المدينة، قالوا: أبو سفيان أقبل هو والمشركون مع اليهود، والمنافقين، فقام وأخذ اللامة والسيف، وقال: حسبنا الله ونعم الوكيل.
تأتيه الأخبار المدلهمة، فيتقوى، قالوا: شاعر، وثبت، قالوا: ساحر، وثبت، قالوا: كاهن، وثبت، قالوا: مجنون، وثبت، وانتصر في آخر المطاف.
وصفه الله بأوصاف عجيبة، وصفه باللين، فقال له: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩] وصفه بالصدق فقال: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر:٣٣] وصفه سُبحَانَهُ وَتَعَالى أنه على خلق عظيم، فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤].
فيا دعاة الإسلام! ويا طلبة العلم! قدوتكم محمد عليه الصلاة والسلام، الذي ما مات حتى بلغ الدعوة مشرق الأرض ومغربها، وقال وهو يلفظ أنفاسه: {والذي نفسي بيده، لا يسمع بي يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار}.
قامت العرب بالسيوف في وجهه، فقام بالسيف، قاتلوه فقاتلهم، حاربوه فحاربهم، قاطعوه فقاطعهم، حتى نصر الله دينه، ورفع كلمته، ودخل يوم الفتح وراية لا إله إلا الله محمد رسول الله ترفرف في السماء.
بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا من العناية ركناً غير منهدم
لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم