للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[العلم قرين الإيمان والفهم والتعقل]

والله عز وجل ذكر أهل العلم في القرآن، فقرنهم بالإيمان، فقال: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ} [الروم:٥٦] فقرن الله الإيمان بالعلم، وأتى الله عز وجل بالعلم في مقام الشهوات لما ذكر قارون عندما خرج على قومه في زينته، قال أهل الدنيا، أهل الجهل، أهل المادة: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص:٧٩] فماذا قال أهل العلم، قال: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ} [القصص:٨٠] خافوا من الله، استحيوا من عذاب الله، {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص:٨٠] فانظر كيف وقفوا هناك في موقف الشبهات، ووقفوا هنا في موقف الشهوات.

والله عز وجل ذكر أهل العلم في القرآن بالفهم والتعقل والتثبت والتؤدة فقال: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:٤٣] ما يفهم العبر ولا يفهم النصائح إلا أهل العلم، وذكرهم الله بالحفظ في كتابه فمدحهم فقال: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:٤٩].

في صدروهم كأنها مسطَّرة ومكتوبة، لأنهم وعوها، فانظر إلى هذا الشرف العظيم، والله عز وجل دائماً يذكر العلم في معرض إرسال الرسل، حتى لما ذكر الله الكلاب، ميز الكلب المعلم عن الكلب الجاهل، قال: {مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة:٤] فجعل الكلب المعلم إذا صاد فصيده حلال بشروط، وأما الكلب الجاهل فصيده لا يجوز، لأنه ما درس، وما تخرج في مدرسة، وما عنده شهادة.

وميز الله حتى في البهائم ما منـ ها يعلم عن باغ ومغتشم

ولذلك احتاج الإنسان إلى أن يورد هذه النصوص بما تردد في الساحة وسوف نأتي إليه في العنصر الرابع من تقليل شأن العلم، ومن تهوين شأن العلماء في بعض الأوساط، ومن الدعوة إلى الانطلاق، وترك البيوت والمكتبات والحلق، وأن الأمة غارقة في حمأة آسنة، وأن الإنقاذ لا يتأتى لها من الركود وإنما يتأتى لها من الانطلاق، فكان لزاماً علينا أن نورد هذه الآيات، والله يقول لرسول الدعوة عليه الصلاة والسلام: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:١٩].

قال الإمام البخاري في الصحيح في كتاب العلم: فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، حياك الله أيها الإمام البخاري، ولا فض فوك، وما أحسن ما دبجت ووشحت ونسقت!

وصدق حين بدأ بالعلم قبل القول والعمل، فرسالة بلا علم جهل، وتعليم للناس بلا فهم ضلال، ودعوة بلا قال الله قال رسوله عليه الصلاة والسلام خسارة وتباب، فوجب على الدعاة، وأهل الصحوة، والمقبلين على الله أن يتعلموا، ثم ينطلقوا، وأن ينطلقوا يتعلموا حتى يلقوا الله عز وجل، واسمع إلى رسول الهدى عليه الصلاة والسلام الذي فجر الكلمة الصادقة في الأمة، والذي جاء إلى أمة الصحراء، الأمة المسكينة، التي ما تعرف حتى بناء البيوت، ولا تسقيف المنازل، ولا الخياطة والنساجة، الأمة الجاهلة، الأمة الأمية التي أحياها الله برسالة رسوله صلى الله عليه وسلم.

إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الله لها فبدل حالها

بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها

لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها

لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها

وأمدها مدداً وأعلى شانها وأزال شانئها وأصلح بالها

والله يمتن على الأمة الأمية الجاهلة التي ما سجدت في عمرها لله، وما عرفت الوضوء بالماء، وما عرفت أن تقول لا إله إلا الله: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:٢]

إي والله، ضلال لا يعلمه إلا الله، ضلال الخرافات، ضلال الشركيات، ضلال الجهل والتخلف، ضلال التبعية والتقليد، ضلال الذلة والصغار لأمم الأرض، فلما أتى صلى الله عليه وسلم ماذا فعل: هل قال للناس إنكم بحاجة إلى مصانع أو صوامع للغلال أو الحبوب، أومنتجات، أو مشروبات، أو مأكولات؟

نعم.

كلهم بحاجة إلى هذه الأمور، لكنها ذرة في مسألة، وفي رسالته التي جاء من أجلها صلى الله عليه وسلم، أعرض عن هذه تماماً وتركهم في بيوت الطين، يركبون الحمير والجمال، ويأخذون الماء على ظهورهم في القرب، ويأكلون خبز الشعير، لكنه عقد الندوات والحلقات، وأرسل العلم في الدنيا، ليحرر الإنسان من جهل الخرافة، لأنه إذا تعلم فسوف يفجر الدنيا، وسوف يوجه البشرية إلى بر الأمان والسلام.

<<  <  ج:
ص:  >  >>