للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حال عائشة بعد معرفتها بحادثة الإفك]

فلما خرجت من مرضها قالت لـ أم مسطح: امرأة من جاراتها اخرجي بنا إلى المناصع وهي صحراء حول المدينة كان يتبرز فيها النساء، فخرجت هي وأم مسطح، والعجيب أن مسطحاً ابنها كان من الذين وقعوا في عرض عائشة وكان من الذين يوزعون الأخبار والشائعات والمنشورات! -فبعض الناس لا يحب السوء لكنه يحب أن يسمع الأخبار، يقول: ما سمعتم هذا الخبر، ما أتاكم هذا الخبر، الله المستعان! - قالت: فعثرت أم مسطح في ثوبها فقالت: تعس مسطح -وكان العرب إذا عثر الفرس قالوا: تعس فلان (عدوٌ) تعس فلان من أعدائهم أو تعس الشيطان- فعثرت فقالت: تعس مسطح سبحان الله! قالت عائشة: بئس ما قلتِ، أتقولين هذا لابنك وهو من أهل بدر! كيف يتعس والله لا يتعس أحد من أهل بدر، قالت: يا فلانة! أو يا غافلة عن الخبر! أما علمت ماذا عمل مسطح، قالت: لا.

ما أعلم، قالت: يقول فيك كيت وكيت، قالت: فيَّ؟! قالت: نعم.

وفلان يقول فيك، وقد انتشر الخبر وعرف الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة وعرف أبوك وأمك، فبكت حتى وصلت البيت قالت: فما نمت تلك الليالي:

ألا أيها الليل الطويل ألا انجلى بصبحٍ وما الإصباح منك بأمثل

وصدر أراح الليل عازب همه تضاعف فيه الحزن من كل جانب

قالت: حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي، وأخذت تبكي، وقالت: والله ما اكتحلت بعدها بنوم، وعاد المرض أكثر مما كان، وأخذت صديقات عائشة يأتين إليها فيبكون معها، وهذا من المواساة.

ولابد من شكوى إلى ذي قرابة يواسيك أو يسليك أو يتوجع

المواساة تكون في المصائب، ولذلك الخنساء لما قتل أخوها صخر بقيت تبكي وتبكي، فلما رأت عجائز يبكين على إخوانهم وأبنائهم تسلت قليلاً حتى قالت:

فلولا كثرت الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي

وما يبكين مثل أخي ولكن أسلي النفس عنه بالتأسي

فبكيت صديقات عائشة معها كثيراً واستمر الخبر، أما الرسول صلى الله عليه وسلم ففاض صبره بعد شهر كامل، تحمل لكن انتهى صبره، احترقت أعصابه عليه الصلاة والسلام، إلى متى ينقطع الوحي من السماء وما كُلِّم من الله بكلمة واحدة، وما نزل عليه جبريل بوحي في تلك الفترة، فلا الوحي يأتيه ولا الخبر يستجليه ولا ما حوله من الناس يدري ما عندهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>