[الثامن: روح الانهزام عند الكثير مع الإحباط واليأس]
تجد كثيراً من الشباب عندهم يأس من المجتمع، غسلوا أكفهم من مشاركة الناس، تقول لأحدهم: لماذا لا تدعو جيرانك؟
قال: لا خير فيهم، لقد جربتهم ويأستُ منهم، تقول له: لماذا لا تؤثر في الناس وتدعو؟
قال: لا.
اتركهم، ولا تشغل نفسك بهم، هؤلاء ختم الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم.
وتجد بعضهم إذا ألقى موعظة، ولم يستجب له؛ قام يتشنج، ويفحش في القول ويسب، وقد يستخدم الألفاظ السلطانية، كأن يقول: دمركم الله، سلط الله عليكم كذا، وغير ذلك من هذه الألفاظ، وهذه ليست في قاموس محمد عليه الصلاة والسلام، والرسول صلى الله عليه وسلم عنده بسمة، وكلمة لينة، وحب للقلوب، حتى يقول له سبحانه وتعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤] ويقول له سبحانه وتعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩].
تجد شباباً يأتيك يقول: ما رأيك في أسرتي، لقد هداني الله عز وجل -حوالي قبل شهر- فأريد هداية بيتي، ولقد دعوت بيتي ليلاً ونهاراً وسراً وإعلاناً في مدة شهر، وقد يأست منهم تماماً؟
قلنا له: شهر لا يكفي، الرسول صلى الله عليه وسلم بقي عشر سنوات يعلم الناس كلمة في مكة، وبقي بعد ذلك ثلاث عشرة سنة، ونوح بقي يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، فعليك أن تصبر.
قال: لا.
أنا عرفت أنهم لو أراد الله بهم الخير لهداهم، أنا أريد أن أتركهم تماماً، فهذا من الإحباط واليأس.
ومن الصور الموجودة عند الشباب -أيضاً- أنه يعيش نظرة سوداوية للمجتمع، فتجده لا يرى الخير أبداً، يقول إيليا أبو ماضي الشاعر اللبناني النصراني:
أيها الشاكي وما بك داء كيف تغدو إذا غدوت عليلا
أترى الشوك في الورود وتعمى أن ترى فوقها الندى إكليلا
والذي روحه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئاً جميلا
فتجد بعض الناس لا ينظر إلى هذا المجتمع الذي أمامه إلا بنظرة سوداوية، كأن يأتيك إذا حدثته عن جانب الصلاح في الناس والصحوة والعودة إلى الله، قال: لا.
أنت لا تدري، لا تعرف الخمارات والمخدرات والمجلات الخليعات؟ لا.
هذا مجتمع محطم وليس بصحيح، وأظن أن الله سوف يزلزل الأرض علينا أو يطبق السماء علينا.
تجد تلك النظرة؛ لأنه نظر بعين واحدة، وما نظر بالعين الأخرى، وسوف يقابله جيل آخر، أفرطوا كثيراً في التفاؤل، وسوف يأتي بيان ذلك.
فالرجاء عدم الإحباط واليأس من روح الله، والذي يظن أنه سوف يصلح العالم كله لا يستطيع، الرسول صلى الله عليه وسلم ليس من مهماته أن يصلح العالم، كان يصلي في المسجد والمنافقون أمامه، وقد تعرض لإحدى عشرة محاولة اغتيال في حياته ونجا منها صلى الله عليه وسلم لأن الله قال له: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:٦٧] والله سبحانه وتعالى يقول له: {وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ} [النمل:٨١] ويقول سبحانه وتعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:١٠٣] وقال له: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:٢٢] يقول: أنت لا تملك هراوة، ولا كرباجاً، ولا خيزراناً تغصب الناس للهداية، ومن الناس من يقادون إلى الجنة بالسلاسل.
فقضية أن يتصور الشاب أنه لا بد أن الحارة كلها تكون ملتزمة ومستقيمة ومهتدية ليس بصحيح، هذا خلاف سنة الله في الأرض، يقول أحد العلماء: والله لو أقام صالح في رأس جبل لقيض الله له من يعاديه في رأس الجبل.
قال ابن الوردي:
ليس يخلو المرء من ضد ولو حاول العزلة في رأس الجبل
فالأضداد موجودة: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:٢٥١] سنة المدافعة، وقال سبحانه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:٣١]
إن العرانين تلقاها محسدة ولا ترى للئام الناس حسادا
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالناس أعداء له وخصوم
كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وقبحاً إنه لدميم