[حال النبي صلى الله عليه وسلم والسلف في شهر رمضان]
كان عليه الصلاة والسلام يوم يدخل شهر رمضان ينقطع عن العالم الخارجي، إلا عن الله وعن كتاب الله، فكان يجلس مع جبريل، فيتلو معه كتاب الله حتى ينسلخ الشهر، عرف ذلك السلف الصالح، فخصصوا رمضان لتلاوة القرآن، يقول الإمام مالك -وقد أتاه طلبته وتلاميذه يقرءون عليه الدروس والعلم- قال: هذا شهر القرآن، لا دروس ولا فتيا فيه.
وعلق كتبه، وأخذ المصحف.
وكان سعيد بن المسيب يختم القرآن في كل ليلة مرة، صح ذلك عنه.
وليس المقصود من إيراد هذه القصص أن نقتدي بهم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر ألا يُختم القرآن في أقل من ثلاث، ولا ينقص من ذلك، لكن المقصود، أن نرى مقامنا من مقاماتهم، وحالنا من حالاتهم، ولذلك ثبت عن مسروق أنه لما دخل عليه شهر رمضان حمل سريره بيديه، وأدخله في مسجد الكوفة، وقال:[[لا أخرج سريري حتى ينتهي الشهر]] فكان ساجداً راكعاً متعبداً حتى بشره الناس بالعيد.
وكان الأسود بن يزيد إذا دخل الشهر، أما نهاره فصائم، وأما ليله فقائم يبكي حتى السحر، فتقول له زوجته: ما لك؟ والله لو قتلت نفساً لكان أخف من هذا العذاب عليكَ، فقال:[[أنا الذي قتل نفسي بالمعاصي]].
وأورد ابن حجر في ترجمة البخاري في فتح الباري، في المقدمة: أنه قرأ يقرأ القرآن في رمضان ستين مرة، مرة في النهار ومرة في الليل.
وهذا حق يقين لا مرية فيه، ولكن لا يقتدى بهم، إلا فيما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم.
وذكر المروزي في قيام الليل بسند صحيح [[أن عثمان رضي الله عنه قام عند المقام في البيت العتيق من بعد صلاة العشاء، فتلثَّم، وبدأ من أول القرآن يقرأ ويبكي حتى انتهى من آخره مع طلوع الفجر]].
عثمان الذي كان ينشر المصحف من بعد الفجر إلى صلاة الظهر، يقرأ ودموعه تنهل على كتاب الله، فيقول له الناس: لو خففت على نفسك، فيقول:[[لو طَهُرَت قلوبُنا لما شبِعنا من القرآن]]