للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[طهارة من الذنوب]

أنها مطهرة لمن اقترف هذه الذنوب والخطايا: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:١٣٥ - ١٣٦] ويوم يذنب العبد ويطوف به طائف من الشيطان فينسى ربه فيقع في الجريمة حينها يطبق عليه الحد، فيكون مطهراً له من الذنوب فيُقبل على الله عز وجل طاهراً مغفوراً له ذنبه مع توبته مع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولقد بلغ هناك من المشاهد والنماذج في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام ما يعجب له قلب المؤمن.

زنت امرأة في عهده صلى الله عليه وسلم فلما ارتكبت الفاحشة تذكرت ذنبها وخطيئتها وإجرامها، وتذكرت القدوم على الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:٨٨ - ٨٩] فأتت إلى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم فاعترفت بالزنا، وطلبت منه أن يطهرها فأعرض عنها؛ لأنه لا يريد أن يستجلي أخبار من استتر بستر الله، أتت عن ميسرته فشهدت بالزنا، فأعرض عنها حتى شهدت على نفسها أربع شهادات، حينها رأى صلى الله عليه وسلم أنها حامل، فقال: {اذهبي حتى تضعي ثم تعالي} فذهبت وهي صابرة محتسبة تتفكر في يوم العرض على الله وتريد الحد في الدنيا، فوضعت طفلها.

قال سهل بن سعد: والله لا أنسى يوم أتت بطفلها في لفائف من قماش، وهي تطلب التطهير منه صلى الله عليه وسلم، فيقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: {اذهبي حتى ترضعيه وتفطميه، ثم تعالي} وانظر إلى صبرها طول هذه المدة واحتسابها الأجر والمثوبة في تنفيذ الحق، فتذهب فتفطمه بعد سنتين، وتأتي به وفي يده كسرة من الخبز، فيقول عليه الصلاة والسلام: من يكفل هذا الطفل؟ فأخذه أحد الأنصار وذهبوا بالمرأة وهي مقبلة على الله متوضأة بوضوء التوبة وقد فتحت لها أبواب الجنة الثمانية يقول سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:٥٣] واجتمع عليها المؤمنون ليقيموا شريعة الله، وليظهروا تطبيق حدود الله وانهالت عليها الحجارة، وهي صابرة محتسبة مقدمة روحها إلى الله.

يجود بالروح إن ضن البخيل بها والجود بالروح أغلى غاية الجود

وتنتثر دماؤها على الناس، فيسبها أحد الصحابة، فيقول له صلى الله عليه وسلم: {مهلاً يا فلان، فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو وزعت على أهل المدينة لوسعتهم} وفي لفظ: {والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس، لوسعته أو لو وزعت على سبعين بيتاً من بيوت أهل المدينة، لوسعتهم} وهل رأيتم أجود منها يوم جادت بنفسها، ثم يقول عليه الصلاة والسلام: {والذي نفسي بيده لقد رأيتها تنغمس في أنهار الجنة} فأول هذا أنه طهارة لمن أقيم عليه الحد، وقد تاب ما بينه وبين الله، فإن الحدود كفارات وجوابر وزاجر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>