للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[قصر الأمل]

ويعلق على هذا دايل كارنيجي (يومك يومك) فيقول: " لا تعش إلا في حدود يومك " لكن أغنانا الله بما عندنا عن بضاعتهم؛ وبضاعتهم مزجاة وميراثنا يغنينا ويغني غيرنا.

هو يقول: يومك يومك، عش في حدود يومك، قال محمد الغزالي في كتاب جدد حياتك: يغني عن هذا قوله عليه الصلاة والسلام -رفع هذا الحديث مرة ووقف عن ابن عمر - {إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح}.

وفي بعض الآثار: {صلوا صلاة مودع} ونحن لو عشنا في حدود اليوم، لكثرت أعمالنا، ولعظمت موازيننا عند الله عز وجل ولجدينا واجتهدنا في أعمالنا إذا عرفنا أننا سوف نموت.

قال السعدي في الوسائل المفيدة للحياة السعيدة:

الاشتغال بالماضي حمق وجنون، والاشتغال بالمستقبل من السخف، نحن نجني للمستقبل، لكن نشتغل بالماضي فتجد بعض الناس حزيناً، دائماً حزين، تقول له: مالك؟ قال: أخطأت قبل شهر، تكلمت مع فلان في كلمة فأخطأنا فيها؛ قضى الله واستغفر! وتجد الآخر ذاته حزيناً، مالك؟ قال: ماتت ناقتي قبل ثلاث سنوات.

ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها

قال أهل التربية: " الاشتغال بالماضي تفويت للحاضر الحاضر " وأكثر ما هد الشباب هذه الهواجس والخواطر، حتى تبلغ إلى درجة الجنون.

ولذلك يقول كارنيجي: المستشفيات في أمريكا وجد أن أكثر من نسبة (٨٠%) من الهواجس لا حقيقة لها وأنها أوهام.

ولذلك لما قل الإيمان، وقلت تلاوة القرآن عند كثير من الشباب، وقلَّ الاستغفار، والذكر، وقيام الليل؛ أتت هذه الهواجس والخطرات حتى وصلت إلى درجة الجنون، ولا يمكن التخلص منها إلا بأن نعود إلى الكتاب والسنة، ثم نأتي إلى قصر الأمل فنعيش في حدود اليوم.

{إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح}.

وقد ذكر الذهبي أن ثلاثة من السلف كانوا يوصفون بقصر الأمل، قيل لأحدهم: ما بلغ من قصر أملك؟ قال: والله ما دخلت في صلاة إلا ظننت أني لا أصلي الصلاة الأخرى، قال له صاحباه وهما يحاورانه: أنت طويل الأمل، قالوا للثاني: وأنت، قال: والله ما رفعت لقمةً إلا ظننت أنها لا تبلغ فمي حتى أموت، قال: طويل الأمل.

وأنت أيها الثالث قال: ما خرج نفس من أنفاسي إلا ظننت أنه لا يعود إلا وقد توفيت.

وهؤلاء بلغوا في قصر الأمل مبلغاً عظيما ً، وهو الذي مدحه عليه الصلاة والسلام.

قيل للإمام أحمد: كيف يُحصل على قصر الأمل؟ قال: " هو توفيق من الله " أي ما يوفِّق إليه إلا الله؛ ولذلك تجد بعض الناس طموحاته أكثر من عمره بكثير، ولو تيقن أحدنا أنه لا يعيش إلا سنتين وسوف يموت بعدها قطعاً لرأيت من اجتهاده وعباداته وأذكاره وسموه وأخلاقه ما الله به عليم.

فاستحضر أنك سوف تموت لا محالة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>