للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مدح الكفار أو العجب بهم]

السؤال

دار نقاش بين مجموعة من المدرسين عن المخترعات الحديثة، فقال أحد مدرسي اللغة الإنجليزية وبملء فيه: لو حملنا الأمريكيين على ظهورنا لم نكافئهم بما قدموا لنا من اختراعات، وأخذ يسرد لنا منجزات، فما كان من المدرسين إلا أن دخلوا في عاصفة من الضحك، ولم يتمعر وجه أحد منهم، وعندما عوتب على إعجابه بالكفار، قال: أقصد العلماء منهم الذين يمضون الساعات في الخنادق للبحث والتحليل، فما حكم ذلك، وأرجو توجيه وصية لهذا الأستاذ؟

الجواب

جعلك تحملهم على ظهرك حتى تلقى الله.

أولاً: أقول لهذا الأستاذ: ما ينبغي لك أن تعجب بالكافر، قال سبحانه: {وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ} [التوبة:٨٥] وقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} [النساء:٥١ - ٥٢] وقال سبحانه: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:٤] لا تعجب بالكافر؛ لأن ثقافته وحضارته وإبداعه ظاهر في عالم المادة، وقد شاهر الله بالحرب، قال سبحانه: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:٧] وقال سبحانه: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:٦٦].

وهذا الأستاذ على أحد نوعين من الناس:

الأول: إما معاند معجب بالكفار ممسوخ مغسول الدماغ؛ لأن من الناس من درس هناك فمسخ وغسل دماغه، فأتى لا يتحدث إلا بثقافتهم، يصبح ويقول: أصبحنا وأصبحت أمريكا لله، وأمسينا وأمست أمريكا لله، إن حدثته عن تقدمنا وعن بلادنا، حدثك عن بلادهم، وإن حدثته عن شمسنا حدثك عن شمسهم.

من بلادي يُطلب العلم ولا يطلب العلم من الغرب الغبي

وبها مهبط وحي الله بل أرسل الله بها خير نبي

قل هو الرحمن آمنا به واتبعنا هادياً من يثرب

فنستتيب هذا، ونقول: عد إلى رشدك، فإنك قد غسلت تماماً، وينبغي لك أن تتشرف بأن تسير في موكب محمد عليه الصلاة والسلام، وأن تنتسب في سلسلة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.

أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع

وأن تبتعد عن ريجن ونيكسون وجونسون وبوش وعن أضرابهم وأمثالهم، فقد أعلنوا العداء لله، ولا يعجبك ما قدموا من حضارة، فهذه قد يقدمها الإنسان المسلم والكافر.

ونحن نقول: بما قدموا من حضارة التقصير منا وعلينا أن نفعل كما فعلوا، وأن نبني كما بنو، ولا نكتفي بما عندنا من دين، بل علينا أن نستعمر الأرض التي استعمرنا الله فيها {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:٦٠].

الثاني: إما أن يكون هذا الأستاذ جاهل، ولا يدري بمدلول هذه الكلمة، فكيف يحمل الكافر على ظهره، مسلم يصلي لله خمس مرات في اليوم والليلة، متوضئ عرف الله وعرف عبودية الله، ويحمل الخواجة الكلب على ظهره، هذا جاهل، فإن كان جاهلاً فليبصر، أما إخوانه الذين ضحكوا وما أنكروا فقد يكونون من زمرته، وقرص في طرف عجينة، فربما اشتركوا في الهوى، وكانوا إخوة في الهوى.

ولذلك يقول العربي الأول:

فإما أن تكون أخي بصدق فأعرف منك غثي من سميني

وإلا فاطرحني واتخذني عدواً أتقيك وتتقين

فإني لو تخالفني شمالي ببغض ما وصلت بها يميني

إذاً لقطعتها ولقلت بِيْنِ كذلك أجتوي من يجتويني

قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ} [المجادلة:٢٢] من أحب الكافر فقد حاد الله بموادته لهذا الكافر؛ نسأل الله العافية والسلامة {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود:١١٣].

حدثنا أحد الأساتذة بسند جيد، قال: حدثني شيخ لي أن الإنجليز لما دخلوا السودان البلد المسلم ونزلوا الخرطوم أتى إنجليزي بريطاني عليه من الله ما يستحقه، ومسك إشارة في المرور -كان رجل مرور- وكان هناك مسلم سوداني في قرية من القرى، ما رأى الكفار على وجهه، هذا المسلم السوداني كان من مصحفه إلى المسجد ومن المسجد إلى البيت، ومن البيت إلى المصحف لم يرى خواجة ولا سمع، يظن أن الكرة الأرضية كلها تسجد لله رب العالمين، لا يعرف أن في الدنيا كفرة ولا يدري أنه {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:١٣] وما يعلم وأنه {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:١١٦] فأتت له حاجة أصيب بمرض، فنقل إلى مستشفى في الخرطوم فأدخل، فلما تشافى نزل، فرأى هذا الأحمر الأشقر المبرقع الإنجليزي وهو عند الإشارة.

قال السوداني: ما هذا؟ قالوا: هذا إنجليزي، قال: ما معنى إنجليزي؟ قالوا: كافر قال: كافر بماذا؟ قالوا: يكفر بالله، قال: وهل في الدنيا أحد يكفر بالله! ثم أمسك بطنه وطرش وذهل، فهذا مربى على العقيدة.

وأحدثكم عن طالب علم كان في قرية من قرى الجنوب، عاشوا على التوحيد والإيمان، فأتى بقصاصة ورق من كتاب الله جل جلاله لـ سعيد حوى، مكتوب في فصل من الفصول الدليل على وجود الله، وهذه مباحث بحثها أهل السنة، لكن هذا الرجل الذي في القرية الشيخ الكبير الذي عاش على العقيدة مثل الجبال يرى أنه ليس هناك داعي أن نكتب الدليل على وجود الله، فأتى ابنه بالورقة، قال أبوه: اقرأ علي يا بني ما عندك، قال: بسم الله الرحمن الرحيم.

يقول: المؤلف رحمه الله: باب الدليل على وجود الله، فضرب الأب ابنه على وجهه وأخذ الورقة وقطعها، وقال: من هذا عدو الله الذي يكتب الدليل على وجود الله، وهل يحتاج الله إلى أن ندلل عليه بدليل.

هذا من عمق الإيمان، لكن بعض الناس يصل إلى درجة أن يقول: إن بيننا وبين الحضارة الغربية قدر نسبي من الإخاء، كما فعل بعض المفكرين، يوم قال في كتابه ظلام من الغرب: لا بأس أن نجتمع مع النصارى في وجه الصهيونية العالمية، ولا بأس بالأخوة الإنسانية، وأمثال ذلك، بل بعد ذلك قال الأخ العزيز شنودة، ثم هاجم بعض المستقيمين، نسأل الله أن يغفر لنا وله، ويتجاوز عنا وعنه.

وهذا من تمييع القضايا، أو تمييع الولاء والبراء، ليس عند المسلم تمييع القضايا.

وقولهم: لا بد أن نظهر بحسن خلق، ولا بد أن لا نفاصل الناس، ولا نظهر للأمريكان أننا سيئو الأخلاق؟

نقول: التعامل شيء، والولاء والبراء شيء آخر.

نحن لا نقول: إذا أصبحت الصباح تضرب الخواجة على وجهه، وتقول: أتقرب بهذا إلى الله، لا.

هذا ليس من الإسلام {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:٨٣] لكن أن تواليه أو تحبه أن تجعله كأخيك، وتقول: والله إني أحبك في الله، وأرى آثار الإيمان، وإشراق الطاعة من وجهك، لا.

لك أن تحسن له، أن تحسن في معاملته في أسلوبك، لكن الولاء والبراء والحب والبغض لا يصرف إلا في مرضات الله، ولوجه الله تبارك وتعالى.

أيها المسلمون: ما بقي من أسئلة فنرجئها إلى درس قادم إن شاء الله، والدرس القادم سوف يكون بإذن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الجامع الكبير في الخميس، مساء السبت، وأسأل الله أن يتولانا وإياكم، وأن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت، وأن يحسن إلينا وإليكم، وأن يغفر لنا ولكم الذنوب والخطايا {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:١٨٠ - ١٨٢] وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>