مرت نماذج خيرة في حياته صلى الله عليه وسلم، كما فعل أبو ذر مع بلال لما عيره بأمه ثم ندم ووضع خده على التراب وقال:[[والله لا أرفع خدي حتى تطأه بقدمك، فوطئه بقدمه ثم قام فتعانقا]].
وأتى الأنصار كما سلف في خطبة بعنوان (وألف بين قلوبهم) وكادوا يقتتلون فخرج إليهم صلى الله عليه وسلم- بعد الإسلام الأوس والخزرج كادوا يقتتلون لإحن الجاهلية- وقد سلوا السيوف، قال:{أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم} فبكوا وأسقطوا السيوف من أيديهم وتعانقوا، فأنزل الله:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}[آل عمران:١٠٣].
وذكر أهل التاريخ بسندٍ صحيح، أن الصحابة خرجوا في غزوة بني المصطلق -المهاجرون والأنصار مع الرسول صلى الله عليه وسلم- وكان لـ عمر أجير اسمه جهجاه، فقام فاختصم مع رجل من الأنصار اسمه سنان بن وبرة، فتراكلا بأقدامهما وتناوشا بأيديهما فقال أجير عمر: يا للمهاجرين! يدعوهم بالسيوف، يعني: انصروني وأغيثوني- وقال الأنصاري: يا للأنصار! فبلغت هذه الكلمة رأس الكفر والنفاق وحربة الردة عبد الله بن أبي بن سلول، فقال: صدق الأول (سمن كلبك يأكلك) لو أنا صرفناهم عن دارنا ما فعلوا هذا، لكن نحن الذين فعلوا بهم ذلك -يقصد المهاجرين- ثم قال أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.
وبلغت الكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبره زيد بن الأرقم وصدَّق الله قيله، فأمر صلى الله عليه وسلم الناسَ بالرحيل حتى لا يتحدث أهل النفاق في القضية؛ لأنهم يحبون الشائعات، فهم أناس في المجتمع لا هم لهم إلا أن يحيوا الشائعات والعثرات والزلات، فيصنفون فيها مصنفات ويزيدون فيها ويتشاغلون بها ويملئون بها الأسماع، فنسأل الله أن يكفينا شرهم، وأن يجعل بيننا وبينهم سداً منيعاً، وأن يحمي هذا الدين منهم، فإنهم يلغون في الأعراض كما يلغ الكلب في الماء.
فقام الرسول صلى الله عليه وسلم بين الصحابة ثم أمرهم بالرحيل لئلا يتحدثوا في المسألة، يريد أن يشغلهم بشيء، ولذلك من الحلول التي تكافح بها الشائعات وحل ما يحصل بين الأحبة؛ أن تشغل الناس بالجد والعلم والمسائل العلمية، وتطرح عليهم قضايا الأمة الكبرى، لأن لدينا قضايا أعظم من الخلافات فيما بيننا وأعظم من هذه والمهاترات.
وهي قضايا نشر الإسلام ومحاربة اليهودية والعلمانية والشيوعية والنصرانية، وقضايا تأليف هذه الأمة المقدسة الخالدة التي جعلها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أمةً وسطاً محبوبة شاهدة تؤمن بالكتاب والسنة.
فأتى صلى الله عليه وسلم إلى أسيد بن حضير فأخبره الخبر فقال: يا رسول الله! والله إن شئت لنمنعنه من دخول المدينة، فإنك الأعز وهو الأذل، فقال عمر:{يا رسول الله! ائذن لي أن أقتله، فقال صلى الله عليه وسلم: يا عمر! لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه} وهذا هو المنهج، أراد أن يتصرف لكن عنده منهج، فلا يخالف المنهج، عنده منهج دعوي يريد به مصلحة هذه الدعوة، وما عليه أن يتحدث فيه، وما عليه من دمه ونفسه وزوجته وأهله، لأنه يريد مصلحة الدعوة أن تستمر وأن يستفيد الناس ويسمعوا ويتعظوا وأن يهتدي على يديه بشرٌ كثير.