[الانهيار عاقبة الجبروت]
السبب السادس:
إن مصير التعسف وخاتمة الجبروت الانهيار، وأن الظلم لا يدوم، وقد ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فقال: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [النمل:٥٢] وذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنه يدمر القرى إذا أعرضت عن منهجه أو ظلمت، قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:١١٢] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم:٢٨].
ووالله لقد بدل الشيوعيون نعمة الله كفراً، وأحلوا قومهم دار البوار والخزي في عالم السياسة والعسكرية والاقتصاد والتربية، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً} [الطلاق:٨ - ٩].
وأي عتو أعظم من عتو الشيوعية على الله، أن تقول: (لا إله والحياة مادة) وتجرد قدرة الله عز وجل من الكون، وتنسب التأثير للطبيعة، وتأخذ ملك الله عز وجل فتستبد به، وتجرده سبحانه تعالى من الخلق والأمر قال تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف:٥٤] وله القدرة وله التأثير، وله العاقبة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:٤٠].
الشعوب مهما صبرت فإنها لا تصبر إلى درجة أن يكون الإنسان في مسلاخ حيوان، ولا تجمع كلها أبداً على الرضا بالظلم إلى آخر المطاف، فإنها تتمرد في أي مرحلة من مراحل التاريخ، أو أي جيل من الأجيال، أو في أي بقعة من بقاع الأرض، وقد رأينا في تجربة الشاه مع الشعب الإيراني، بغض النظر عن استقامة هذا الشعب، أو عن اتجاهه أو عن ديانته، أو عن حصيلته أو عن مبادئه، لكن رأينا ذاك الرجل وهو يخرج من قصر الظلم والجبروت وهو يحمل الكلاشنكوف، وصوره مثبتة بطائرة هيلوكبتر، ويرش الشعب الإيراني في الشوارع معه جنوده، ويقتلون الناس كما تقتل الحشرات بهذا السائل المبيد، ومع ذلك تخرج الطوابير الأخرى وتعلن تمردها فإذا قتلت أتى الطابور الآخر يزحف بالجثث ويأخذها ويسحبها ويخرج الناس كأنهم من جديد يرفضون الظلم، وفي الأخير انتصرت هذه الإرادة وسحق الظلم إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم.
وهذه سنة الله عز وجل، وقد جرب ذلك الجاهليون، حتى يذكر ابن قتيبة: أن الظلم عاقبته وخيمة، وقالوا لامرأة من بني عبس: أين ملوك عبس وقد كانوا يحكمون الدنيا؟ قالت: ظلموا فأُخذوا.
وذكر ابن كثير أن البرامكة لما أدخلوا الحبس، قالوا: لـ يحيى بن خالد البرمكي، أبعد الوزارة والإمارة والتجارة أدخلت هذا المكان؟! وقد أدخل مكان لا يرى الشمس سبع سنوات، أدخله هارون الرشيد، والعجيب -سبحان الله- أنه تحقق فيه القول المأثور: {من لم يعرفني سلطت عليه من لا يعرفه، أو من لا يخافني سلطت عليه من لا يخافه} فسلط الله عليهم أقرب الناس إليهم هارون الرشيد، تركهم في السجن سبع سنوات، ما رأوا الشمس، قالوا: بعد النعيم المقيم أصبحتم هنا، قال: دعوة مظلوم سرت في ظلام الليل غفلنا عنها وما غفل الله عنها.
سجن المهدي الخليفة العباسي أبا العتاهية وحبسه، فأرسل له قصيدة من الحبس يقول فيها:
أما والله إن الظلم شؤم وما زال المشوم هو الظلوم
إلى ديان يوم الحشر نمضي وعند الله تجتمع الخصوم
فبكى المهدي وأعلن إطلاقه، ولكن الله عز وجل سوف يحكم، وسوف يجمع الأولين والآخرين ويقول: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر:١٦] أين الأنظمة الوضعية؟
أين السلطات الأرضية؟
أين الدبابات التي كانت تسحق البشر؟
أين الزنزانات التي كان يجلس فيها الفرد ويباد؟
أين السياط الملتهبة التي كانت تقطع منها جلود الناس؟
أين الكرابيج؟
أين الأسلاك الكهربائية؟
أين البرك الباردة المثلجة التي تمزع الأبشار؟
قال تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:١٦] ويقول تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:٩٤] فأين سلاطينكم وأين كياناتكم وأين قواكم؟ ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً} [مريم:٩٣ - ٩٤] {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً} [مريم:٨٠] فكانت نتيجة حتمية أن تصل الشيوعية إلى هذه الخاتمة التي أسعدتنا وأثلجت صدورنا، وتمثلنا فيها بقول أبي تمام:
ما ربع مية محفوفاً يطوف به أبهى إلى ناظري من خدها الترب
لما رأت أختها بالأمس قد خربت كان الخراب لها أعدى من الجرب
رمى بك الله جنبيها فهدمها ولو رمى بك غير الله لم يصب