[أسرار الصدقة وكرماء العرب]
أما أسرار الصدقة، فقالوا: تشرح الصدر، وتكفر الخطايا، والصدقة في السر تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وتحبب الخلق إلى الإنسان.
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
وهو من أجود ما يكون، وكرماء العرب اختلف فيهم، وأكرم الناس منذ أن خلق الله الخليقة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي في القائمة بعده أبو بكر الصديق الذي دفع ماله في سبيل الله، وما دفعه ليشكر في الدنيا، وإنما يبتغي به وجه الله، وأثنى عليه ربنا في كتابه فقال: {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:١٨ - ٢١] من أجل أن يرضى يوم العرض الأكبر وسوف يرضيه الله تبارك وتعالى.
وأما بعض الكرماء فإنهم ينفقونها رياءً وسمعة وطلباً للمحمدة، ويعطيهم الله المحامد مثل حاتم الطائي، لا يخلو مجلس من ذكر حاتم، لكن ليس له في الدنيا إلا الذكر وليس له في الآخرة من خلاق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح ابن حبان لـ عدي بن حاتم: {إن أباك طلب شيئاً فأصابه} طلب الذكر فأصابه، وكان حاتم هذا كريماً من فطرته.
وكان صلى الله عليه وسلم يستعرض الأسارى، فقامت امرأة متحجبة -بنت حاتم الطائي - فقالت: {يا رسول الله! إن أبي كان يقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، ويحمل الكل، ويعين الملهوف، أنا بنت حاتم الطائي، قال صلى الله عليه وسلم: خلوا عنها، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه}.
يقولون: كان حاتم وهو طفل يرضع من ثدي أمه، فأتت أمه بطفل آخر يرضع معه على الثدي الآخر، قالوا: فإذا رفع ذلك الطفل رأسه رفع حاتم رأسه، فإذا رضع رضع، هذا من ضمن ما ذكروا عنه، وأتاه أضيافه فما وجد قرى فنحر فرسه، إلى غير ذلك من الأخبار.
أرسله أبوه يرعى الإبل في البادية، فمر ضيوف فقال: من أنتم؟ قالوا: هل تضيفنا في هذه البادية فلم يضيفنا أحد؟ قال: هذه ضيافتكم وأعطاهم الإبل.
وكان حاتم نحيفاً؛ لأنه ما كان يأكل الطعام، كان إذا أتى الطعام دعا الناس جميعاً فأكلوا الطعام وبقي هو جائعاً، فقال أبياتاً من الشعر نسبت له ولـ عروة بن الورد:
أتهزأ مني أن سمنت وأن ترى بوجهي شحوب الحق والحق جاهد
أوزع جسمي في جسوم كثيرة وأحسو قراح الماء والماء بارد
وإني امرؤ أعافي إنائي شركة وأنت امرؤ عافي إنائك واحد
حتى ضرب به المثل، فقال الفرزدق:
على ظمأ لو أن في القوم حاتماً على جوده ضنت به نفس حاتم
فالله المستعان!
وأما ابنه عدي فسيد من السادات، وهذا ليس من بحثنا في شيء.