صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:{يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: عجباً لك يا بن آدم! خلقتك وتعبد غيري، ورزقتك وتشكر سواي، أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك، وتتبغض إلي بالمعاصي وأنت فقيرٌ إلي، في كل يوم خيري إليك نازل، وفي كل يوم شرك إلي صاعد} فقال عليه الصلاة والسلام: {تعبد الله لا تشرك به شيئاً} لأنه لا عبادة لمن أشرك مع الله من أهل أو ولد أو منصب أو وظيفة أو حجر أو شجر، وبعض الناس يظنون أن الأصنام قد انتهت، بل بعض الناس يعبد هواه من دون الله عز وجل، أما قال الله عز وجل:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ}[الجاثية:٢٣]؟
وكل شيء يشير إلى وحدانية الله، وكل مخلوق يثبت بالبرهان أنه لا إله إلا الله، وكل كائنة تشير بيدها أنه لا إله إلا الله، الومضة من النور، اللمعة من الضياء، والقطرة من الماء، والورق من الشجر، الصوت من الطائر، الإنسان بما آتاه الله يشير أنه لا إله إلا الله.
فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
قيل للإمام الشافعي رحمه الله: دلل لنا على القدرة، أي: اذكر لنا دليلاً على قدرة الحي القيوم، قال: هذه الورقة ورقة شجر، وتأكلها دودة القز فتخرج حريراً، وتأكلها النحلة فتخرج عسلاً، وتأكلها الغزال فتخرج مسكاً، وتأكلها الشاة فتخرج روثاً، أليست دليلاً على الحكيم الخبير؟
وقيل للإمام أحمد: دلل لنا على وجود القدرة، قال: هذه البيضة كالحصن الحصين، أما الباطن فذهب إبريز أصفر، وأما الظاهر ففضة بيضاء يخرج منها حيوانٌ سميع بصير، هو الفرخ، ألا يدل على وجود السميع البصير؟
فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد
كل شيء يشير إلى الله، يقول عز من قائل:{قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ}[يونس:١٠١] يقول عز من قائل لأهل مكة يوم نزَّل عليهم القرآن، وهم لا يرون إلا الجبال السود، ولا يرون إلا السماء، ولا يرون إلا الأرض، ولا يرون إلا الإبل، خاطبهم بلغة عصرهم؛ لأن العلم الطبيعي ما بلغ هذه الدرجة التي بلغها اليوم، فقال عز من قائل:{أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) [الغاشية:١٧ - ٢٠].
مالهم لا ينظرون؟ مالهم لا يتفكرون؟ ما للذي يترك الصلاة إذا سمع الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أربع مرات، ماله يلوي عنقه ويتولى عن المسجد؟ أنسي الله؟ أنسي البعث والنشور؟ أنسي الذي سواه في أحسن صوره؟ {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد:٨ - ١١] يقول: ما هو الأمر الذي أتى به هذا حتى يتكبر علينا؟ ويقول عز من قائل:{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ}[الصافات:٣٥].