للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[توبة إبراهيم بن أدهم]

بشر الحافي سيد الزهاد، كان عندهم ندماء يدور عليهم الكأس بعد صلاة العشاء، لا يعرفون عشاءً ولا فجراً، ليالي بعض الناس مثل ليالي الحمير، لا يدري في أي وقت هو، في العشاء أم في الفجر، أم في الأذان، أم في التراويح وقراءة القرآن، أم في الصلاة، تائه عياذاً بالله، قال تعالى: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:٤٠].

من أين يأتي النور إلا من عند الواحد الأحد، فأتى هذا الرجل فنزل إلى السوق -وهو أمير معه حاشية وجند، ولكن بعض الأمور وبعض الأعمال ترفع صاحبها عند الله- فوجد في السوق ورقة مكتوب فيها (الله) يدوسها الناس بالأقدام لا يدرون عنها، فقال: سبحان الله! اسم الحبيب يداس بالأقدام، والله لأرفعنه! فأخذ هذه الورقة وغسلها وطيبها بالطيب ورفعها في بيته، ولما أمسى في الليل سمع قائلاً يقول: يا من رفع اسم الله! والله ليرفعن الله اسمك، وأتى في اليوم الثاني وإذا قلبه متغير، رأى حياة الجهالة والضلالة، فأصبح عابد أهل بغداد، فرفعه الله، فلا تجد ترجمة في أي كتاب من كتب السلف وتراجمهم إلا تجد بشر الحافي رحمه الله رحمة واسعة، وهذا من الطراز العظيم، رفعه الله بصدقه وعودته إليه فتبارك الله أحسن الخالقين، وتبارك الله الذي يقبل التائبين، وتبارك الله الذي بتوب على المنيبين، فنسأله أن يتوب علينا وعليكم، وأن يجعلنا من المقبولين، فإن المحروم صراحة من حرم الثواب والعودة إلى الله.

يقول أبو الفتح البستي:

زيادة المرء في دنياه نقصان وربحه غير محض الخير خسران

يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته أتعبت جسمك فيما فيه خسران

أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

من يتق الله يحمد في عواقبه ويكفه شر من عزوا ومن هانوا

من استعاذ بغير الله في حدثٍ فإنما ناصره عجز وخذلان

في قصيدة طويلة يقول في آخرها:

يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران

دار أخربها الله تعمرها أنت! ودار أبغضها الله تحبها! ولو صرف الواحد منا عُشْر ما يصرف لدنياه لدينه لصلحت أمورنا، تجد بعض الناس مهدماً من كل جهة الصلاة مهدومة، قراءة القرآن والصدق والوفاء والأمانة والأكل الحلال والاستقامة والإخلاص، كل شيء مهدم، لكن دنياه معمورة، لو انكسرت حنفية لأقام الدنيا وأقعدها، سيارته عامرة، بيته عامر، ولكن يقول:

يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران

ويا حريصاً على الأموال تجمعها أقصر فإن سرور المال أحزان

<<  <  ج:
ص:  >  >>