للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التخلف عن مجالس الذكر بحجة معرفة الدين]

السؤال

ما حكم عدم حضور مجالس الذكر، بحجة أنه يعرف الدين مع قصور علمه؟

الجواب

الآن كثرت دعاوي الناس، إذا أتيت تعلمه الصلاة قال: الحمد والشكر لله علمنا الله عز وجل وانتشر العلم، ولا نحتاج إلى تعليم دائماً، لدينا القرآن والحديث والذكر، ويكفى ما عندنا من العمل.

ولذلك تجد أجهل الناس بالله عز وجل أكثرهم دعاوى، وأقرب الناس من الله أخوفهم له، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨] فأقرب الناس من الله وأكثرهم فقهاً في الدين أكثرهم خشية لله -عز وجل- ووجد في علماء الإسلام من اتقوا الله عز وجل وكثرت فيه الخشية حتى كان سفيان الثوري كما ذكر عنه أهل العلم: يقوم من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة:١] ويبكي حتى الصباح.

ابن وهب -عالم مصر - ألف كتاب اسمه كتاب أهوال القيامة فقالوا له: اقرأ علينا الكتاب، قال: والله ما أستطيع أن أقرأ الكتاب، لكن مروا ابني يقرأ الكتاب، فقام أحد أبنائه يقرأ الكتاب، فغشي على عبد الله بن وهب هذا حتى مات، يقول الذهبي في مجلده الثامن: مات في اليوم الرابع.

علي بن الفضيل بن عياض أحد الصالحين الكبار، شاب في العشرين من عمره قام يصلي وراء أبيه، وكان أبوه إمام الحرم المكي، فقرأ أبوه سورة الصافات حتى بلغ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات:٢٤ - ٢٦] فوقع مغشياً عليه وتوفي.

ذكر ذلك ابن تيمية في الفتاوى وفي الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.

وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه مرض من هذه الآية {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} [الصافات:٢٤] شهراً كاملاً حتى عادوه.

يقول الإمام أحمد في كتاب الزهد: دخل أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه في مزرعة رجل من الأنصار فرأى طائراً يطير من شجرة إلى شجرة فبكى، قالوا: ما لك تبكي يا خليفة رسول الله؟! قال: [[طوبى لهذا الطائر يرد الماء ويرعى الشجر، ثم يموت لا حساب ولا عذاب وهو يبكي، يا ليتني كنت طائراً يا ليت أمي لم تلدني]].

فلا إله إلا الله ماذا فعلنا نحن؟ وماذا قدمنا لمولانا؟ ويا كثرة معاصينا وخطايانا! لكن نحن برحمة أرحم الراحمين.

فهؤلاء العلماء لما أحسوا بقربهم من الله عز وجل رزقهم الله الإنابة والخوف منه.

عمر رضي الله عنه وأرضاه اتخذ الدمع في خديه خطين أسودين من كثرة ما يبكي، وهو خليفة المسلمين، كان لا يرى منظراً إلا بكى، وكان يقوم يوم الجمعة يتكلم على المنبر فيقطع صوته البكاء فيبكي معه المسجد.

عمر بن عبد العزيز الشاب الزاهد قام يتكلم على المنبر فبكى، ثم قال: أتدرون مالي؟ قال: والله ما أعرف أحداً عنده من الذنوب والخطايا كالذي عندي، ثم قال: يا موت ماذا فعلت بالأحبة؟ ثم قال: أتدرون ماذا يقول الموت؟ قالوا: لا، قال: يقول ذرفت بالعينين، وفصلت الحدقتين، وفصلت الكفين عن الساعدين، والساعدين عن العضدين.

فبعض الناس يقول: أنا لا أحضر مجالس الذكر بحجة أن عنده علماً وأنه مستغنٍ عن هذا، وهذا من الجهل بالله.

يقول الشافعي: من اعتقد أنه عالم فقد جُهل، وإذا رأيت الإنسان عنده دعاوى وغرور فاعلم أنه من أجهل الناس.

سبحان الله! علماء الإسلام يبلغ أحدهم كالمحيط من كثرة العلم، ويذهب ثلاثة أيام في طلب الحديث.

سافر جابر بن عبد الله مسيرة شهر يطلب حديثاً واحداً كما في صحيح البخاري:

موسى عليه السلام وقف يخطب في بني إسرائيل قال له بنوا إسرائيل: أتعرف في الأرض أعلم منك، قال: ما أعرف أعلم مني - هذا الحديث في صحيح البخاري - وهو نبي ورسول ولا يعرف في الدنيا أعلم منه.

لكن لامه الله عز وجل يوم ادعى العلم فأوحى الله إليه" يا موسى! عبدنا الخضر بمجمع البحرين أعلم منك"، قال: كيف ألقاه يا رب! قال:" خذ مكتلاً -زنبيلاً- واجعل فيه سمكاً وخذ غلامك وسافر، فإذا تحرك الحوت ونزل من المكتل فسوف تلقى الخضر، فأخذ المكتل وفيه السمك الميت وذهب مسافراً، ولما اقترب من الخضر أحيا الله الحوت بإذنه، وسبحان من يحيي العظام وهي رميم! سبحان من يوجد الحياة في الميت!

فلما رأى الحوت أخذه عجباً وسرباً فرأى الخضر، فتابعه على ما هو موجود في القصة.

ليطلب موسى عليه السلام العلم.

وبالمناسبة هناك قصة عجيبة: مر أحد بني إسرائيل الصالحين بقرية فإذا هي ميتة، كان قد رآها قبل فترة وفيها الحدائق الغناء والطيور، والزهور، والأشجار والأنهار والناس، ثم مر عليها وقد مات كل من فيها، وتهدمت المنازل وأصبحت تطفى عرصتها، فقال: أنى يحيي الله هذه بعد موتها؟!

سبحان الله! يقول: كيف يحيي هذه الله بعد موتها، فأماته الله وأمات حماره - حماره كان عليه شيء من طعام وشراب- فلما أماته الله مكث ميتاً مائة سنة، فأحياه الله بعد مائة سنة، وقال له الله: كم لبثت؟ قال: يوماً أو بعض يوم.

ويقول أهل العلم: لما مات مات في الصباح وبعد مائة سنة أحياه الله في العصر، فنظر إلى الشمس وقال: لقد تأخرت عن غرضي وسفري.

فقال له الله عز وجل: أين حمارك؟ فالتفت فما رأى إلا العظام قد انهدت وترممت، والتفت فرأى المتاع الذي يوضع على الحمار فرأى فيها الطعام والشراب لم يتسنه فعجب، يعني ما تغير من الطعام والشراب شيء فعجب.

وقال: {وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا} [البقرة:٢٥٩] فركب الله له عظام الحمار حتى استقامت، ثم المفاصل حتى أصبح متشابكاً، ثم الأعصاب، ثم أجرى الدم في الشرايين، ثم ركب اللحم، ثم الجلد، ثم هز الحمار رأسه وتحرك، فانذهل الرجل.

قال: {وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ} [البقرة:٢٥٩] أي: سوف نقص خبرك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قال: أعلم أن الله على كل شيء قدير.

وإبراهيم عليه السلام أستاذ التوحيد ومعلمه، وأكبر عقدي في الدنيا عليه السلام، رأى حماراً ميتاً على شاطئ البحر، يأتي النسر يأكل منه والحدأة تأكل منه، والصقر يأكل منه، قال: يا سبحان الله! تذهب هذه الجثة في بطون الطيور، فيكف يبعثها الله يوم القيامة؟!

قال إبراهيم: ربي أرني كيف تحيي الموتى.

قال الله عز وجل: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:٢٦٠] ليس الخبر كالمعاينة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة:٢٦٠] فأخذ الأربعة الطيور فضمها، ثم مزقها بلحمها وريشها وعظامها ودمها، ثم خلطها، ثم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً} [البقرة:٢٦٠] فجعل كل قسم على جبل ثم نزل في الوادي، قال: {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً} [البقرة:٢٦٠] فقال: أقبلي بإذن الله، فأحياها الله، وكانت رءوس الطيور بيده ولحومها وعظامها وجلدها وريشها على تلك الجبال فأقبل كل طائر يدخل في رأسه مركب، ثم أخذت تتحرك، قال تعالى: {وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:٢٦٠].

المقصود: هؤلاء طلبوا العلم بالمشاهدة، وطلبوه بالنقلة، وما قالوا: تعلمنا واكتفينا والحمد لله، لأن بعض الناس تدعوه إلى محاضرة فيقول: الحمد لله؛ الناس تعلموا وما جهلنا، فنور على الدرب موجود، والمشايخ يتحدثون والحمد لله بيسر وسهولة، لكن علم الدنيا برع فيه أكثرنا، يسوق السيارة بجدارة وربما يهندسها، وإذا بنشرت أصلحها، ولا يرضى بكل شيء إلا أن يكون على أحسن ما يرام، لكن أمور الدين خلاف ذلك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>