للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ذمّ النهم في الأكل

المسألة الحادية عشرة: ذم النهم في الأكل: كثرة الأكل مذمومة في الإسلام إذا تجاوز الحدود وأصبح مقصود العبد كثرة الأكل والطعام والشراب، وهو مذموم لكثرة المفاسد التي وردت، فذم عليه الصلاة والسلام كثرة الأكل والنهم فيه، وقال في حديث المقدام بن معدي كرب الزبيدي الذي رواه الترمذي وهو صحيح: {ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب أحدكم لقيمات يقمن صلبه} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

والمكثرون من الأكل في الإسلام كثير منهم عمرو بن معدي كرب الزبيدي، ليس الرواي هذا، قيل: غيره، يقولون: كان من أكثر الناس، وهو زبيدي مذحجي، لكنه مقدام العرب، هو أشجع العرب في الإقدام، إذا تقدمت الصفوف، وسلت السيوف، وارتفع الصياح، وامتزجت الرماح رأيت عمرو بن معدي كرب في الصف الأول، ولذلك ذكروا عنه أنه في الجاهلية فر قومه جميعاً، وهو لم يحضر المعركة، فعاد إلى أخته -ذكر هذا أهل التاريخ- فقال: اصنعي لي طعاماً، وذبح هو عنزاً، فصنعت له كثيراً من الطعام، فأكله جميعاً وأكل العنز، ثم أخذ سيفه وأتى المعركة، وقد فر أصحابه.

أمن ريحانة الداعي السميع يؤرقني وأصاحبي هجوع

إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع

فأخذ يطارد الخصم والأعداء وهو وحيد حتى قتلهم، وأخذ الأموال فسموه عند العرب مقدام العرب، ولذلك يقول أبو تمام للمعتصم:

إقدام عمرو في سماحة حاتم في حلم أحنف في ذكاء إياس

سمع عمر رضي الله عنه بـ عمرو بن معدي كرب الزبيدي، فقال: "ليته يقدم علينا " فقدم وأسلم، ولما أتى كان الناس يتحدثون حتى في المدينة عن شجاعته، وعن سيف عمرو بن معدي، وعن ضربه في الأعداء، فدخل على عمر وإذا بهذه الجثة التي ما شاء الله تبارك الله فيما خلق الله عز وجل، فقدم له عمر أقراصاً من شعير وزبيب وشيئاً من تمر فأكله، ثم قدم له طعاماً آخر فأكله، قال: "يا أمير المؤمنين! ضيفني، قال: أضيفك حجار الحرة " الحرة: حرة في المدينة فيها حجارة سود، ثم قال له عمر: "يا عمرو بن معدي كرب! أين سيفك الصمصامة؟ قال: هذا هو يا أمير المؤمنين! فسل سيفه، فأخذه عمر فهزه" وإذا السيف ليس بذاك الذي يذكر، فقال عمر رضي الله عنه وأرضاه لقد ذكر لي السيف أكثر من هذا، فقال: يا أمير المؤمنين! إنك رأيت السيف وما رأيت اليد التي تضرب بالسيف فشكره عمر، وقام عمر يتكلم في الوفود، فقال: الحمد لله الذي خلقنا وخلق عَمْراً.

وذكر ابن كثير وغيره كـ ابن جرير، أنه حضر معركة القادسية مع سعد رضي الله عنه وأرضاه، فلما أتت المعركة كان عمرو أعمش البصر لكبر سنه، فأتى أول المعركة فأخذ سهماً، ثم أطلقه يريد به أحد الفرس فوقع هذا السهم في أذن فرسه، فتضاحك المسلمون.

فغضب رضي الله عنه وأرضاه، ونزل من على الفرس ثم أخذ رجلاً من فارس من الكفار، فوضع يمناه على رأس هذا الفارسي، ووضع يسراه بأرجله ثم رفعه وكسر ظهره، وقال: افعلوا بهم هكذا، ذكره أهل التاريخ ولا يستبعد.

هذه بعض اللطائف عن الخلفاء التي وردت عنهم، وإنما نذكرها كما ذكرها أهل العلم، ومن أراد أن يعود إليها فليعد إليها، وهي لا تنفع ولا تضر، ولكنها كالوردة تشم ولا تعك إن شاء الله.

بقي من الآداب التي ينبغي أن تذكر في مثل هذا المكان، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال كما في صحيح البخاري ومسلم والموطأ والترمذي: {المسلم يأكل في معي واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء}.

وسبب هذا الحديث أن جهجاه الغفاري قدم على رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكان كافراً فأسلم، فطلب لبناً فحلبوا له شاة فشربها، وحلبوا الثانية فشربها، وحلبوا الثالثة فشربها، حتى أعدم حليب سبع شياه، فلما أسلم في اليوم الثاني شرب حليب شاة واحدة فكفاه، فقال: {يا رسول الله! شربت البارحة حليب سبع شياه -وهذا في الصحيح- وما كفاني، واليوم كفاني حليب شاة؟! قال صلى الله عليه وسلم: المسلم يأكل في معي واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء}.

وهذا من بركة الإسلام؛ لأن الشيطان، وإخوان الشيطان، وأخوال الشيطان وأعمامه يأكلون مع الكافر، أما المسلم فلا يأكل معه شيطان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>