أما عظماء الأنصار رضوان الله عليهم؛ فإن الله شرَّفهم برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، ورفع قدرهم، فتعلموا العلم النافع الذي هو قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الرجل منهم يبقى مع الرسول صلى الله عليه وسلم السنة والسنتين وأقل من ذلك، فيخرج معلماً ومفهماً للناس؛ لتيسير الله لهذه الشريعة:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر:١٧]؛ ولذلك ينبغي على طلبة العلم أن يفهموا أن هذه الشريعة ميسرة، وقد لمح لذلك ابن الوزير في العواصم والقواصم، وقال: إن الذي عسَّر هذه الشريعة هم القرون المتأخرة، حتى قالوا لطالب العلم وللداعية: لا يمكن أن تخرج إلى الناس أو تنفع الناس حتى تدرس وتحضر وتقرأ وتجمع، وهذا من تلبيس إبليس ليعطل طاقات الأمة، وليلعب بأفكارها، وليضيع الدعاة وطلبة العلم والعلماء من الأمة، وإلا فإن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحدهم إذا تعلم سورة مضى بها في الناس ينشرها لوجه الله سبحانه وتعالى.
وقد أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن وعنده من الأحاديث القليل، لكنَّ بركة العلم ونوره وهدايته جعلته يقوم بهذه المهمة، فالمقصود: الإخلاص وقصد الله بالعمل، وهو المطلوب في هذا الدين، ليس التكثير؛ فإن الله عزَّ وجلَّ يقول:{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}[التكاثر:١ - ٢].
ويقول مالك بن أنس رحمه الله: ليس العلم بكثرة الرواية، وإنما العلم بنور يقذفه الله في قلب العبد، وحديث يعمل به خير من آلاف مؤلفة لا يعمل بها، وإنما صلاح العلم العمل به ونشره في الناس.