[معنى قوله تعالى: (إن الإنسان)]
والعصر: هو الزمن يقسم به سبحانه وتعالى، والمقسم عليه سوف يأتي.
{وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ} [العصر:١ - ٢] من هو الإنسان؟
مسكين الإنسان، مطارد في القرآن، عليه عبارات وتعريفات في القرآن، وأهل العلم يقولون: إذا ذكر الإنسان مجرداً فالمقصود به الكافر، وقد يقصد به المؤمن مع الكافر.
يقول سبحانه عن الإنسان، اسمع النداء للإنسان: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:٦].
يقول: مالك أيها الإنسان؟ مالك تُعرض عن الله؟ من الذي غرك بالله؟
ويقول عنه هناك: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد:٨ - ١١].
يقول: أما جعلنا لك عينين ولساناً وشفتين لتعبد الله فمالك؟
ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:٦].
يا أيها الإنسان! يا من حمل همومه وغمومه وأحزانه وأشجانه وليله ونهاره! إنك عامل لا محالة وسوف تلقى عملك عند الله.
ويقول سبحانه: {قُتِلَ الْأِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} [عبس:١٧] أي: عذب وأبعد وطرد، مثل إذا قلت لرجل كفر معروفك، وجحد إحسانك: قتلت ما أكفرك، قتلت ما أجحدك، قتلت ما أنساك!
قال: {قُتِلَ الْأِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس:١٨ - ٢٢].
وقال سبحانه: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} [الإنسان:١] الإنسان الآن يكفر بوجود الله، فيقول الله له: أما أتى عليك فترة ما كنت موجوداً، من الذي أوجدك؟ {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:١ - ٢].
وقال سبحانه عن الإنسان: {إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً} [المعارج:١٩] أي: في أصله {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ} [المعارج:٢٠ - ٢٢].
واسمع إلى أوصاف الإنسان فهو مجادل، جادل حتى في الله، وجادل حتى في الرسالة، وجادل حتى في القيامة {وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} [الكهف:٥٤].
وعند البخاري في الصحيح: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام قام في الليل}.
كان يصلي في الليل ما يقارب الست ساعات متواصلة، قرأ بالبقرة وبآل عمران والنساء بخشوع وخضوع وتدبر وترتيل ومناجاة؛ لأنه يحب كلام الحبيب ويتأثر به ويعيش معه؛ ولأن زاده القرآن، فلما انتهى عليه الصلاة والسلام من الصلاة ذهب إلى بيت علي وفاطمة، ذاك البيت الرائع الرائق المطهر الطاهر، فطرق عليهما الباب وقال: {ألا تصليان، ثم ذهب وصلى عليه الصلاة والسلام ثم عاد فما سمع الباب يفتح وما سمع الوضوء، فعاد وطرق الباب فقال: ألا تصليان، فقام علي رضي الله عنه يزيل النوم عن عينيه ويقول: يا رسول الله! إن نفوسنا بيد الله إن شاء أمسكها وإن شاء أرسلها -أي: يلقي محاضرة على الرسول عليه الصلاة والسلام يخبره بهذا- فتبسم عليه الصلاة والسلام وضرب على فخذه وقال: {وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} [الكهف:٥٤]} حتى من قيام النوم الإنسان يتكلم ويحب الحوار والمناظرة رضي الله عن علي وأرضاه.
{وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً} [النساء:٢٨].
أضعف شيء الإنسان.
يقول عمر بن أبي ربيعة:
كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول
وقال بشار:
إن في بردي جسماً ناحلاً لو توكأت عليه لانهدم
سمع أحد الناس هذا البيت وأعجب به وقال: والله لأسافرن حتى أرى هذا الشاعر؛ لأنه بيت جميل، وهو دائماً يأتي بأبيات رائعة، وكان أعمى البصر وأظنه أعمى البصيرة، فيقول:
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحيانا
يا ليتني كنت تفاحاً مفلجةً أو كنت من ثمر الريحان ريحانا
فهو صاحب:
إن في بردي جسماً ناحلاً
يقول: أنا جسمي ضعيف، فسافر هذا الرجل ودخل على بشار بن برد بيته فوجد أنه كالثور، قال: أين البيت وأين أنت؟ قال: أما سمعت الله يقول: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} [الشعراء:٢٢٤ - ٢٢٦].
وقال سبحانه: {خُلِقَ الْأِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء:٣٧].
فأعجل شيء الإنسان، يريد أن يستعجل كل شيء، حتى القضاء والقدر يستعجله الإنسان، يقول كفار مكة: يا محمد! عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب، يقولون: أعطنا عذابنا، أنزل علينا حجارة من السماء، والله سبحانه وتعالى يقول: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ} [المعارج:١ - ٣].
هذا أحد الكفار يقول: اللهم إن كان محمداً صادقاً؛ فأنزل علينا حجارة من السماء، يعني: ترميهم وتسحقهم، قال سبحانه: (سأل سائل) وأدهمه لأنه خسيس وحقير كافر {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ} [المعارج:١ - ٣] يقول: العذاب واقع لكن لماذا يستعجلون؟ يقول سبحانه وتعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} [الحج:٤٧] وقال سبحانه وتعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} [ص:١٦].
أعطنا عذاباً الآن قبل يوم الحساب، فالإنسان خلق من عجل، وقالوا: لا حكمة لعجول.
وقال سبحانه وتعالى عن الإنسان وتمرده وإنكاره وغروره: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْأِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} [الإسراء:٨٣] أعرض عن المنهج الرباني ونأى بجانبه.
وقال سبحانه وتعالى عن ظلم الإنسان وجهله: {وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:٧٢] عرض الله الأمانة على السماوات والأرض والجبال؛ فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً.
ويقول الله عن الإنسان وعن إنكاره وجحوده: {وَيَقُولُ الْأِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً * أَوَلا يَذْكُرُ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً} [مريم:٦٦ - ٦٧] الآيات.