للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بشرى للمشائين إلى المساجد]

هذه هي الصلاة، فأين الروضة؟!

تولى المدينة أحد الناس، وكان من أسرة علمية وأسرة عبادة وزهد، فلما تولى هذا الأمير الإمرة كأنه ترفه قليلاً، وكان بيته في العوالي، فكان يأتي في الظلمات إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فوضع سرجاً (وضع لمبات فيها زيت وأشعلها) حتى يرى الطريق، فكتب له عمر بن عبد العزيز الخليفة الزاهد الراشد رسالة قال فيها: سبحان الله! أنسيت العشيات؟ أنسيت: {بشر المشائين بالظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة} قال: ذكرني أثابه الله فأطفأ السرج.

لأن هناك نوراً يغنيه عن ذاك النور: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:٤٠] فالذي نور قصره وبيته بأنوار الكهرباء، ثم ترك أنوار رب الأرض والسماء فلا نور له.

ومد بالنور فالأيدي قد اختلفت على الصراط وهذا الجمع محتفل

لاينفع العلم قبل الموت صاحبه قد سال قوم بها الرجعى فما رجعوا

وهذه الأبيات من قصيدة طويلة لـ ابن المبارك رحمه الله.

وهناك على الصراط قال: يقف فينطفئ نور المنافقين، والشيخ حافظ في منظومته في العقيدة يقول:

ثم انطفا نور المنافقينا فوقفوا إذ ذاك حائرينا

لأنهم بالوحي ما استضاءوا فكذبوا فذا لهم جزاء

فما استضاءوا بالوحي والنور الذي بعث به النبي صلى الله عليه وسلم: {نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:٥٢] تركوا النور.

أين ما يدعى ظلاماً يا رفيق الليل أينا إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه

قد مشينا في ضياء الوحي حباً واهتدينا ورسول الله قاد الركب تحدوه خطاه

فرسول الله يحمل النور من يركب معه ير النور، ومن يتخلف عنه لا يغنيه نور الدنيا، فالآن الذين لا ينزلون إلى النور في المساجد أين يجدون النور؟ الذين لا يحضرون الدروس ولا المحاضرات ولا صلاة الفجر ولا القرآن، أين يجدون النور؟ لأن النور ليس إلا رسالته صلى الله عليه وسلم

والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور:٣٥]؛ فمحمد صلى الله عليه وسل نور، والقرآن نور، والسنة نور، والإسلام نور، فهو نور على نور وقال تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:٣٥].

وقف أبو تمام يحيي المعتصم في انتصاراته، والعلماء والوزراء أمامه، قال أبو تمام:

ما في وقوفك ساعة من باس تقضي ذمام الأربع الأدراس

واستمر يصف الخليفة حتى قال:

إقدام عمروٍ في سماحة حاتم في حلم أحنف في ذكاء إياس

قال الفيلسوف أبو يوسف الكندي: ما زدت يا أبا تمام! على أن شبهت الخليفة بأجلاف العرب.

يقول: تصف الخليفة بالبدو؟! عمرو بن معد يكرب من العرب أي: أنه بدوي أعرابي، وإياس وفلان وفلان؛ فتوقف أبو تمام قليلاً ليعتذر وأتى ببيتين قال فيهما:

لا تنكروا ضربي له من دونه مثلاً شروداً في الندى والباس

فالله قد ضرب الأقل لنوره مثلاً من المشكاة والنبراس

<<  <  ج:
ص:  >  >>