[وسطية الرسول صلى الله عليه وسلم في الفرح والحزن]
قال البخاري: (باب التبسم والضحك) ومن التبسم المجاز، ويستخدم في الضحك، قال البحتري في قصيدته الرائعة الربيعية وهو يصف الورود في الخمائل:
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً من الحسن حتى كاد أن يتكلما
فهذا مجاز.
وقال زهير يمدح هرم بن سنان:
تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله
وهذه من أعظم القصائد، حتى كان عمر يتأثر، ويقول: لا تصلح هذه الأبيات إلا في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام وسطاً في رسالته، ليس بالضاحك الذي أسرف على نفسه في الضحك عليه الصلاة والسلام، أو أكثر في هذا الجانب، وليس بالذي تقمص شخصية الحزن والكآبة والحسرة والندامة، والناس قليل منهم الوسط، فهو وسط في كل شيء، وسط في المعتقد، ووسط في العبادة والتشريع، ووسط في الآداب والسلوك {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:١٤٣].
وتجد كثيراً من الناس يضحكون ويقهقهون حتى يتمايلوا ويتساقطوا، وربما يترح أحدهم ترحاً برجله {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج:٣٦] وتجد بعضهم لا يضحك أبداً حتى في عيد الفطر وفي عيد الأضحى، فتجد الناس يتعاودون والكباش تذبح وهو لا يضحك.
يقال له: ابتسم, فلا يتبسم.
أين أسنانك الطاهرة الطيبة؟ فلا يرينا أسنانه.
وذاك صنف، وهذا صنف، لكن الوسط محمد صلى الله عليه وسلم.
كان يبكي من خشية الله بكاءً ربما أحدث صوتاً أحياناً، وكان يتبسم كثيراً، والضحك نادر في حياته، وأكبر ضحكه -كما ورد في الأحاديث- أنه ضحك حتى بدت نواجذه صلى الله عليه وسلم، وكان إذا ضحك ربما وضع يده الشريفة على فمه، لكن هذا نادر، ولم توجد في الصحيحين إلا في أربعة أو خمسة مواضع، أما تبسمه صلى الله عليه وسلم فكثير.
قال جرير بن عبد الله -كما سوف يمر معنا-: [[ما رآني صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي]] والبسمة ليست عبثاً، بل شرى بها قلوب الناس وقلوب القبائل والشعوب عليه الصلاة والسلام، يقول الله عز وجل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩] ويقول له: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:٦٣].
وهؤلاء العرب مشاغبون كلهم، يتضاربون كأنهم في الحراج، وليس عندهم تأسيس ولا نظام أو معرفة أو ثقافة، فلما أتيت -يا رسول الله- جمعت هذه القبيلة التي كانت تنحر هذه، فقد كان الإنسان يسلب أخاه في الحرم المكي، ويتعقبه بالسيف فيقتله، وهذا كله على شاة أو ناقة، فلما أتى صلى الله عليه وسلم حبكهم بنظام عالمي عجيب، لا يمكن أن يخترقه الصوت، عليه أفضل الصلاة والسلام.
فالمقصود أنه صلى الله عليه وسلم كان يتبسم كثيراً، ويضحك نادراً كما سوف يمر معنا.