[أبو ذر يقابل النبي صلى الله عليه وسلم]
ووصل مكة، فلقيه علي بن أبي طالب الشاب المتوقد الذي نشأ على معالم لا إله إلا الله.
قال أبو ذر: [[أين الرجل الصابئ؟ قال: أتريد محمداً؟ قال: نعم.
ولكني جائع -أتى من الصحراء وهو جائع لم يأكل منذ ليالٍ يريد قبل أن يلقى معلم الخير المعصوم أن يأكل أكلاً- قال: تعال إلى أبي بكر الصديق {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:١٨ - ٢١].
فأدخله أبو بكر، وأطعمه من زبيب وخبزٍ، ثم أخذه علي بن أبي طالب قال: يا أبا ذر! كن معي فإذا كنت في الحرم ورأيت الرسول صلى الله عليه وسلم فسأتظاهر بإصلاح نعلي -هذا خوف من المشركين- فإذا رأيتني وقفت فهو الرجل الذي أمامك فنزل، وكان عليه الصلاة والسلام كالقمر ليلة أربعة عشر لا يختفي، ومن رآه أحبه، ومن سمع كلامه صدقه، ومن صاحبه ائتمنه.
يقول ابن رواحة:
لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر
فوقف علي يصلح نعله؛ فعرف أبو ذر وجه المصطفى عليه الصلاة والسلام، واقترب منه ليحييه بتحية الجاهلية فقال: عم صباحاً يا أخا العرب، قال عليه الصلاة والسلام: {إن الله أبدلني تحية خيراً من تحيتك، قل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ورحب به عليه الصلاة السلام وأجلسه}.
الأسئلة الساخنة تبدأ، والحوار الجريء يبدأ، وتطرح بين المعلم والتلميذ وبين الشيخ والطالب قال أبو ذر: من أنت؟ قال: أنا رسول الله، قال: من أرسلك؟ قال: الله الذي إذا كنت في سنة مجدبة فدعوته أمطر عليك، والذي إذا ظلت راحلتك في الصحراء ودعوته، ردها عليك -يكلمه من دفتره، من بيئته: الناقة، السنة المجدبة، الصحراء- قال: بم أرسلك الله؟ قال: أرسلني بالصلاة، والصدق، والعفاف، وصلة الرحم، وبر الوالدين، والنهي عن عبادة الأصنام والأوثان.
قال أبو ذر: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، والله لأقومنّ بها عند الصفا، قال عليه الصلاة والسلام: لا.
اذهب إلى أهلك ولا تخبر أحداً، فإذا سمعت أن الله أظهرني وسوف يظهرني، فتعال بأهلك، قال: والله لأقومن عند الصفا، فوقف وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله فانهال عليه سكان الحرم بالحجارة من كل جانب حتى وقع مغمياً عليه يرش ثوبه بالدم، وأتاه عليه الصلاة والسلام فاحتضنه ورشه، وقال: ألم أنهك؟ -ألم أقل لك: لا تقل ذلك؟ - وحال العباس بين المشركين وبين أبي ذر}.
وذهب أبو ذر إلى أهله في البادية ووقف أمام زوجته وقال: دمي من دمكِ حرام، وبيتي من بيتكِ حرام حتى تشهدي أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فشهدت.
ثم أتى إلى أهله فشهدوا، ثم جمع قبيلته بني غفار فشهدوا فدخلوا في دين الله أفواجاً.
وأتى أبو ذر إلى محمد عليه الصلاة والسلام بعد أن نصره وأظهره الله وأصبح في المدينة، {قال أبو ذر للنبي عليه الصلاة السلام: أعرفتني؟ قال: نعم أنت أخو غفار، ثم وقف عليه الصلاة والسلام على المنبر يحيي القبيلة التي وطئت المدينة ويرفع يديه ويقول: غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله، وعصية عصت الله ورسوله}.
وأخذ أبو ذر يحب الرسول عليه الصلاة والسلام كل يوم وهو في زيادة، ويقول متبجحاً ومفتخراً ومغتبطاً بزيارة الرسول عليه الصلاة والسلام: {كان عليه الصلاة والسلام يزورني كل يوم في بيتي فزارني مرة فلم يجدني، فقال: أين هو؟ قالوا: خرج يا رسول الله ويأتي، فجلس على فراشي، فلما أتيته احتضنني والتزمني وقبلني، زيارة}.
إنها الذكريات التي لا ينساها أبو ذر أبداً.