ثم إن هذا الدرس على غرار شرح صحيح البخاري، وهذا الكتاب -كما قلت في مناسبات- كما يقول العلامة الكبير أبو الحسن الندوي، يكسب القارئ إيماناً وحباً وطموحاً، وأمة بلا إيمان قطيع من البهائم، وبيت بلا إيمان ثكنة متهدمة، وقلب بلا إيمان قطعة لحم ميتة، وكتاب بلا إيمان أوراق مصففة، وقصيدة بلا إيمان أبيات مقفاة، وروضة بلا إيمان غابة تعشش فيها الطيور لا ينتفع منها إلى آخر ذلك.
والطموح هو الهمة التي كتبها محمد صلى الله عليه وسلم بميراثه، وما فعل أحد في الأرض كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يأتي بالإنسان كتلة من لحم ومن دم ميت، فيغرس في قلبه لا إله إلا الله، فينتفض حياً بلا إله إلا الله، قال تعالى:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}[الأنعام:١٢٢] لا والله.
والطموح يوم فقدناه متنا، ماتت دروسنا ومحاضراتنا، وكلماتنا، وشبابنا إلا عند من رحم الله، الطموح همة عالية، يقول الحسن البصري في الهمة:[[هي ألا ترضى لنفسك ثمناً إلا الجنة]] لأن بعض الناس رخيص يعرض بضاعته بأي سوق، ويبيع نفسه بأي ثمن، ولكن الغالي لا يبيع نفسه إلا بشيء غالٍ، إنها سلعة الله الغالية، وهي الجنة التي أعدها الله عز وجل للمتقين ولا يدخلونها إلا بأحد أمور ثلاثة:
إما بشهادة تسفك الروح والدم، وإما بعلم ينهض بالناس من الجهل والخرافة والتقليد والتبعية، إلى النور والبصيرة والأصالة والعمق، وإما بعبادة وزهد يجردك عن الدنيا وتجعلك كماء الغمام أو كحمام الحرم، والحب سوف يكون درسنا هذه الليلة عن الحب والإيمان والطموح.
الحب هو الشيء الذي سكبه محمد صلى الله عليه وسلم في القلوب، وجعله إكسيراً لهذه الحياة، ومعنى أمة بغير ذلك هي الخراب والدمار والعار والشنار، والتعامل بلا حب هو الجفاء، والزيارة بلا حب قطعية، والصلة بلا حب جفاء.