للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[انفراد الله تعالى بالهداية]

واختص سبحانه وتعالى بالهداية، لا يملك أحد أن يهدي أحداً، وهذا أمر معلوم؛ فبعض الناس لو استمع ألف محاضرة ما اهتدى، وبعض الناس يسمع القرآن من أوله إلى آخره، ولا يغير في حياته مثقال ذرة، وبعض الناس لو انتطحت الجبال بين عينيه فلن يهتدي، بل دفن بعضهم أبناءه بيده في القبر، وسمع ذكراً للموت، وآتاه الله من الوعظ ما الله به عليم، ومع ذلك يترك الصلاة!!

يقول سبحانه: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [يونس:٣٥] أسلوب عجيب، إنني أقف عاجزاً أمام هذه الآيات، فقد فسدت لغتنا فلا نتذوق القرآن.

قبل ليالٍ اهتز الحرم كما سمعتم بسورة يوسف والإمام يقرؤها، ووالله إن القلب يشهد أنه لا يستطيع أحد من الناس أن يأتي بمثل هذا القرآن، يكفي الملاحدة أن يسمعوا هذا القرآن ثم يحكموا بعقولهم، هل يستطيع أحد من البلغاء أن يقول مثل هذا القرآن؟! فإمام الحرم لم يتمالك شعوره فانفجر في الحرم باكياً، عند قول يوسف لإخوته: {قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:٩٢].

يقول تعالى: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [يونس:٣٥] أتهديكم هذه الأصنام والزعماء والآلات والجهات التي تنتسبون إليها ولا تنتسبون إلى الله أتهديكم هي؟! هي تحتاج إلى من يهديها، فكيف أنتم تستهدون بها؟! أعمى ويقودك!! أعمى يقود عمياناً!! أصم يدل الناس بالسماع على السماع وهو لا يسمع!! مالكم؟! مالكم كيف تحكمون؟!! أفمن يهدي إلى الحق وهو الله سبحانه أحق أن يتبع وكذلك محمد عليه الصلاة والسلام.

{أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى} [يونس:٣٥].

بحاجة إلى أن يهدى وما هدي أصلاً، ويقول سبحانه: {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} [الإسراء:٩٧] الحقيقة أن من هداه الله فهو المهتدي، أما غيرُ من لم يهده الله فلو لبس كل اللباسات وادعى الدعاوي ورفع اللافتات فليس بمهتد لا توجد دعوى في الدنيا إلا أثبتت الدعايات أنها ممحوقة، فهذا لينين أتى وقال: من أجل الكادحين -والكادحون هم العمال- وأتى إستالين بذلك، وأتوا بالانفتاح، وقالوا: "نحن أتينا لنصرة حقوق البشر، وأتينا لرفع الإنسان، وأتينا لإصلاح حال الشعب، ولإغناء الفقراء، ولضم الشتات، والديمقراطية، وغيرها من هذه العبارات، والله يثبت أنهم ضلال وأنهم ولو ما ادعوا في الظاهر فإنهم ليسوا مهتدين، من يهد الله فهو المهتدي، أما غيره فليس بمهتد، ويقول سبحانه: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} [آل عمران:٧٣] إذا فاخروك فقل: إن الهدى هدى الله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>