[مخاطبة النساء وضوابط في الحديث معهن]
المسألة الثالثة: مخاطبة النساء وفيه أنه صلى الله عليه وسلم خاطب النساء، وكان يتكلم إليهن في مجالس خاصة وعامة، وقد أتت أسماء بنت يزيد فقالت: {يا رسول الله! -وهي متحجبة- غلبنا عليك الرجال، يحجون معك، ويعتمرون معك، ويجاهدون معك، فاجعل لنا يوماً من نفسك.
فالتفت عليه الصلاة والسلام وقال للصحابة: هل سمعتم بأجمل منها خطاباً} فوعدهن صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، قال البخاري: باب من جعل للنساء يوماً من نفسه فهل يجوز هذا؟ وهل من حدد يوماً في الأسبوع هو مبتدع أم لا؟ فبعض الناس قد يقول: لماذا تحددون في مساء الثلاثاء في هذا المسجد درساً ويمكن أن يكون بدعة؟ نقول: يقول البخاري: باب من جعل للنساء يوماً من نفسه، فلا بأس بجعل بعض الأيام موعداً لطلبة العلم والاجتماع بهم أو لغيرهم؛ لتكون مواعيد المسلمين منظمة، ومضبوطة مسيرة، وهذا ليس من البدعة، بل من السنة والحمد لله.
فأتى صلى الله عليه وسلم إليهن وليس معه ولا معهن غيره من الرجال، فأخذ يتكلم معهن بطلاقة في شئونهن، قال صلى الله عليه وسلم: {ما منكن امرأة تقدم ثلاثة أولاد إلا كانوا حجاباً لها من النار، قالت امرأة: واثنين، قال: واثنين فقالت المرأة: فنسيت أن أسأله عن الواحد: وفي بعض الألفاظ: وواحد} من قدمت واحداً فهو حجاب لها من النار، {وكان صلى الله عليه وسلم في مجلس مع النساء فأخذن يتمازحن وهو جالسٌ ساكت، فترافعت أصواتهن بالمزح والضحك وهو ساكت، فدخل عمر فلما سمعن جلبة عمر اندفعن إلى الحجاب وفررن من مجلسه صلى الله عليه وسلم، فدخل عمر ثم أشرف وهن متحجبات وراء الحجاب، فقال: يا عدوات أنفسكن! الرسول صلى الله عليه وسلم معكن وهو أولى أن تهبنه وفررتن مني.
فقامت امرأة عاقلة -انظر إلى الجواب المسدد- وقالت: الرسول صلى الله عليه وسلم رحيم رؤوف سهل لين وأنت فظٌ غليظ القلب} {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩].
فلما قالت: الرسول رحيم رؤوف سهلٌ لين وأنت فظٌ غليظ القلب، تبسم عليه السلام ونظر إلى عمر وقال: {مهلاً يـ ابن الخطاب! والله ما رآك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك} أي: ما تسلك من طريقاً إلا ويسلك الشيطان من الطريق الآخر؛ لأنه صادق مخلص، وهو قوي الشخصية إلى درجة من الهيبة ما يستطاع أن يُتكلم معه، ملوك العرب إذا أتوا إلى عمر وأراد الواحد منهم أن يتكلم خلط بين الكلام، ولا يستطيع أن يتكلم.
عيينة بن حصن قال للحر بن قيس: [[استأذن لي إلى هذا الأمير يعني: إلى عمر، وعيينة عنده كلام يريد أن يتكلم به مع عمر، استأذن لي عليه، فأذن له وعيينة من سادات العرب، فدخل عيينة وقال: أما عرفتني يا عمر! قال: من أنت؟ قال: أنا الكريم ابن الكريم ابن الكريم؛ لأنه عيينة بن حصن بن حمل بن بدر، وبنو بدر أسرة من الأربع الأسر الكبرى في العرب، التي يقول فيها حاتم الطائي:
إن كنت كارهة معيشتنا هاتي فحلي في بني بدرِ
الضاربون بكل معتركٍ والطاعنون وخيلهم تجري
قال: أنا الكريم ابن الكريم ابن الكريم، قال عمر: بل أنت الخسيس ابن الخسيس ابن الخسيس، الكريم ابن الكريم ابن الكريم هو: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم]] هذا نسبٌ مؤمن وذلك نسب مظلم، وهذا نسبٌ يتصل إلى الجنة، وذلك نسب وثني، فقال عيينة: مهلاً يا عمر! إنك لا تعدل في القضية، ولا تقسم بالسوية.
فقام عمر يريد الدرة ليداوي بها رأسه، هذا علاج يجيده عمر يخرج به الوساوس من الرءوس، فعنده درة لا يضرب بها أحداً إلا ويخرج الوسواس من رأسه، يضربه حتى يغمى عليه ثم يرش بالماء ثم يقول: أصبحنا وأصبح الملك لله، فقام عمر فوقف الحر بن قيس وهو من حفظه القرآن فقال: يا أمير المؤمنين! يقول الله عز وجل: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:١٩٩] وهذا من الجاهلين، وكان عمر وقافاً عند القرآن فجلس، وقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
فـ عمر وأمثاله قصم الله بهم الشياطين الإنسية والجنية، فلا تستطيع النساء أن يتكلمن مع عمر، بل قد صح في روايات عند كثير من أهل المصنفات: [[أن عمر أرسل إلى امرأة وهي حامل في قضية، يريد أن يتثبت منها، فخافت فألقت حملها، وهذه يصححها أهل العلم، فأتي بالمرأة، فقال عمر رضي الله عنه وأرضاه للصحابة: ماذا ترون في جنينها، هل عليَّ من ديته أم لا؟ فقالوا كلهم: ما نرى عليك شيئاً، أنت أمير المؤمنين وقد أرسلت لها، ولست مضنة التخويف فألقت حملها وكان عمر يقول: معضلة ولا أبو الحسن لها، وكان إذا أنقذه بعد إنقاذ الله قام وقبل رأسه وقال: فديتك يا أبا الحسن! فتكلم الناس فقال: وأنت يا أبا الحسن! ماذا عندك؟ قال: تكلم الناس وقد سمعت منهم، قال: أريدك أنت، ماذا تقول؟ قال: يا أمير المؤمنين! لا تجعل يقينك شكاً.
وهذا الحديث في المصنف لـ ابن أبي شيبة - قال: فسِّر.
قال: يا أمير المؤمنين! أنت الذي خوفتها حتى أسقطت جنينها فعليك ديته -من تسبب في إسقاط جنينها إلا أنت- فوداه عمر رضي الله عنه وأرضاه]].
الشاهد: أن كثيراً من الناس يبلغون من قوة الشخصية حتى لا يستطاع المعايشة معهم، أو القرب والاستفادة منهم، لكن الله عز وجل هو الذي خلقه، وله مصالح في العباد تبارك وتعالى، فمقصودي هنا هو: مخاطبة النساء.