ومن الدعاء العظيم الذي وصفه عليه الصلاة والسلام لأمته، دعاء يونس بن متى، يقول عليه الصلاة والسلام:{دعاء الكرب، دعاء أخي يونس ما دعاه مكروب إلا فرج الله كربته} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وهذا الدعاء هو:{لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:٨٧] وفي هذا الدعاء ميزات ثلاث: -
أوله: أنه اعتراف بالتوحيد.
الأمر الثاني: أنه اعتراف بالتقصير.
الأمر الثالث: أنه استغفار.
فقال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فوجب على العبد إذا ضاقت به ضائقة وأتاه حادث، أو أتاه هم وغم، أن يكرر هذا الدعاء فإنه بإذن الله فتح عظيم، يقول الأندلسي يوصي ابنه:
وناد إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذا النون بن متى
وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا
ذكر أهل التفسير وأهل السير: أن يونس بن متى غاضب قومه وخرج فأوقعه في البحر الربان وأهل السفينة، لأن القرعة وقعت عليه:{فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ}[الصافات:١٤١] ما معنى الآية؟
لما ركب في السفينة كانت تتموج، وثقلت وأصبحت على غير العادة، وكانت في العادة تمشي بحفظ وبراعية وبتؤدة وسكينة، لكنه لما ركب وهو لم يستأذن الله ترجرجت، وهذا فيه درس: أن من التعكير والشؤم وبعض الصعوبات والمشاق على المسافرين والمقيمين المعصية، فقال الربان: معنا رجل فيه معصية، لا بد أن نتساهم ونقرع قرعة فمن أتت فيه أنزلناه في البحر، فشرعوا في أول قرعة فوقعت على يونس، قال: نعيد القرعة، هذه خطأ، فاستهموا مرة ثانية فوقعت عليه، قال: الثالثة، فوقعت الثالثة عليه، فأخذوه بيديه -سبحان الله العظيم، أحبابه وأقاربه تخلوا عنه! لأنهم يهلكون لو لم يفعلوا ذلك- فأخذوه بيديه ثم رموا به في البحر، فأصبح في ظلمات ثلاث: ظلمة البحر، وظلمة الليل، وظلمة الحوت، فقد تلقفه حوت يوم وقع فابتلعه فأصبح في بطنه، انظر إلى الموقف! من يسمعه؟ حتى ولو كان هناك فرق إنذار، أو خفر سواحل أو طوارئ ما سمعوه في بطن الحوت، لكن إلى السميع المجيب، إلى الذي أقرب من حبل الوريد: {
الجواب
=٦٠٠٠١٩٢> وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:١٨٦] فأتى بكلمة تنفجر من القلب من أعظم الكلمات عند أهل التوحيد، قال:{لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:٨٧] يقول أهل العلم: لما قالها، عبرت بصوته إلى السموات السبع تخترقها، فسمعتها الملائكة فبكت، وقالت: صوت معروف من عبد معروف، يا رب! أين فلان؟ قال: أنا أعلم به، سمعوا الصوت لكن ما يدرون هل هو في بحر قزوين أو في البحر الأحمر، فأنقذه الله، وأخرجه ونجاه لأنه التجأ إليه، فحق على المسلم أنه إذا ضاقت به الضائقة، أن يردد:{لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:٨٧] وعند البخاري في الصحيح عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {دعاء الكرب: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش العظيم} فهذا دعاء الكرب الذي -بإذن الله- من دعا به استجيب له.
وذكروا عن العلاء بن الحضرمي أنه لما قحط الناس قال: يا علِيُّ! يا عظيم! يا حكيم! يا عليم! فأغاثه الله, وأغاث الصحابة معه.