ثم كان أكرم الناس، يقول ابن تيمية: بعض الناس يجود بالعلم وبعضهم يجود بالمال، أما ابن عباس فكان يجود بالمال وبالعلم، فقد كان يجلس في الحرم فإذا أتى وقت الإفطار قال لأهل الحرم من المسلمين جميعاً: هلموا إلى الفطور المبارك، فيأتي إلى بيوت آل العباس لأنهم من أسرة بني هاشم، أسرة الرسول صلى الله عليه وسلم التي ما على الكرة الأرضية أسرة أشرف منها، لا في آسيا ولا في أفريقيا ولا في أمريكا، ولا في أستراليا؛ لا يوجد أشرف من بني هاشم، فكان يذهب بالناس فيأتون إلى لباب البر، ولباب العسل، وقد وضع على الناس فيأكلون ثم يغسلون وينزلون الحرم، فيدرسهم إلى الظهيرة ثم يصلي الظهر ثم يقول: هلموا إلى الغداء المبارك، فيذهبون وإذا اللحم بالخبز قد وضع في قدور وصحاف فيأكلون ثم يعودون إلى الحرم، فكان يبذل العلم والمال:{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الحديد:٢١].
ولم يكسبه علمه غروراً، لأن بعض الناس إذا تعلم اكتسب بهذا العلم غروراً وعجباً، حتى تجد بعضهم يجعل الشهادة الجامعية أو نحوها وهي لا تساوي قرشين، يعلقها في البيت على برواز من زجاج، لكن انظر إلى أثرها في واقعه وحياته وعقيدته وسلوكه ومنهجه، ماذا تنفعك هذه الشهادة؟ إن كنت تفتخر بها فالخواجة حصل على شهادات البروفيسور، والشهادة العالمية، وجائزة نوبل، وهو في مسلاخ الكلب، وأبو بكر وعمر خرجا إلى الدنيا لا يحملون شهادة أول ابتدائي، ولكنهم فجروا طاقة الإنسان، ووجهوا الإنسان، وفتحوا بإذن الله عقل الإنسان، فبعض الناس ربما يكسبه العلم عجباً، حتى وجد أن بعض الناس ما أكسبته الثقافة إلا فجوراً وعتواً وتمرداً على آيات الله، وبعضهم أكسبته الثقافة تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله، يقول عز من قائل في هذا الصنف:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون}[الأعراف:١٧٥ - ١٧٦].