للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[قصة ولادته وترعرعه صلى الله عليه وسلم]

لنعش قليلاً مع مولده ونحن نبدِّع كل من قال أن في الإسلام يوماً للمولد، وهم مبتدعون بلا شك.

رأت أمه قبل أن تلد به عليه الصلاة والسلام أن نوراً خرج منها، فما هو هذا النور؟ إنه نور خرج منها ليصلح العالم، نور مُشِعٌّ خرج منها ليصل إلى كل قلب ويقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله نور يدخل إلى دياجير الظلم والتخلف والتبعية والرجعية والتقليد، ولما وقع على الأرض، كان متستراً حَيْيَاً من الله تبارك وتعالى، فلما ترعرع ماتتْ أمُّه؛ ليعيش اليتم، وليتدرب على مصاعب الحياة ومشاق العيش، ليكون عصامياً يقوم بنفسه بعد الاعتماد على الله.

ثم نُقِل إلى البادية، فرضع ثدياً طاهراً من ألبانها الصافي صفاء الصحراء، المشرق إشراق الصحراء؛ ليكون فصيحاً من أفصح الناس، وعاد من البادية فبكاه أهلها، فقد أتى إليهم والأرض مُجْدِبة، لا نبت فيها ولا شجر، تموت فيها النوق والإبل كل يوم، أصاب الغنم جدب وقحط لا يعلمه إلا الله، جف اللبن من الضرع، ويبست المياه من الغُدْران والغيوم في بادية بني سعد تجاه الطائف.

فمن نعمة الله ومن فضله أنه لما وصل صلى الله عليه وسلم نزل الغيث، فامتلأت الحدائق عشباً وزهراً وورداً، وتبسمت الفيافي أناقة وروعة وجمالاً، وأتى الضرع يدر باللبن حليباً سائغاً للشاربين، وسال الماء في الغُدْران والجداول والأنهار، وأتت الإبل تشرف بنعمةٍ وسَمْن مع حياتها ومع بيوتها ومع رواحلها، فلما انتقل بكته أمه من الرضاعة، وأبوه من الرضاعة وبكاه كل الحي، فهو مبارك أينما كان مبارك على المنبر، وفي المعركة، وفي البادية، وفي قبره، ويوم يُبْعَثُ الناسُ ليوم لا ريب فيه.

ويوم عاد إلى مكة كان لجده عبد المطلب فراشاً لا يجلس عليه إلا هو فحسب، كان هذا الفراش للعظماء، وجده سيد قريش، الذي هِمَّتُه تمر مر السحاب، {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل:٨٨].

ألا لا أحب السير إلا مصعداً ولا البرق إلا أن يكون يمانيا

والعظماء يرضعون العَظَمَة مع اللبن منذ صغرهم، فكان محظوراً على الناس أن يجلس على الفراش أحد إلا عبد المطلب، فكان يأتي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وهو في الرابعة من عمره فيجلس على الفراش، فيؤخرونه فيزحف حتى يجلس عليه، فيتبسم عبد المطلب ويقول: والحُجُب والبيت ذي النصبْ، والشمس ذات اللهبْ، إنَّ لهذا الابن سبباً من السببْ، أي: سوف يكون رجلَ التاريخ، وإنسانَ عينِ الدنيا، وقائدَ البشرية يوم تهتدي لساحل النجاة وبَرِّ العظَمة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>