أيها المسلمون! ما معنى قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}[البقرة:١٤٣]:
لأهل التفسير فيها قولان:
الأول: وسطاً: خياراً عدولاً، قال زهير بن أبي سلمى في قصيدته المعلقة الشهيرة
وهم وَسَطٌ يرضى الأنام بحكمهم
أي: خيار عدول، فقال بعض المفسرين: أي عدول.
وقال بعض المفسرين: الوسط هم الذين يتوسطون بين الغلاة والجفاة وهو المتوسط بين الطرفين، ويرد النحوي الزجاج وغيره هذا ويقول: تركيب كلمة وسط خطأ، بل معنى المتوسط بين الطرفين يسمى وَسْط: جلست وَسْط الحلقة، وجلست وَسْط الرجلين ومشيت وَسْط الجملين، ولا يقال وَسَطَ الرجلين أو وَسَطَ الحلقة.
أما سيد قطب في الظلال فيرى أن المعنى الأخير هو الصحيح، ويأتي بكلام بديع جميل، أحببت هذا الكلام وربما يعجبكم، يقول: نحن وسط -يعني الأمة الإسلامية هي وسط- وسط في الزمان ووسط في المكان فنحن وسط في الكرة الأرضية، هذا معنى ما سبق إليه يقول: حتى إن الله لم يجعلنا في القطبين ولا في ألاسكا ولا بعيدين ولا قريبين، ولا في حدود سيبيريا، بل جعلنا وسطاً، حتى يقول لنا أهل أبولو الذين صعدوا بها إلى القمر أنهم قد وجدوا أن مكة وسط الدنيا، وهذا هو الموافق للتفسير.
فـ أم القرى في الوسط، والعالم كله في نواحيها وهي وسط بين الدنيا.
إذاً فنحن وسط في المكان.
قال: ووسط في الزمان، فما جئنا في أول الناس، فنحن ما أتينا مع نوح عليه السلام، وما تأخرنا لنأتي في آخر الدنيا، بل أخذنا تجارب الأولين ثم مضينا للآخرين، فسبحان من اختار هذه الأمة.