للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أهمية العلم النافع]

الحمد لله القائل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:١ - ٥].

والصلاة والسلام على رسول الله القائل: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين} صلى الله وسلم على مؤسس حضارة الأمة, ومعلم الأجيال, وهادي الشعوب, والذي أقام صرح الحضارة, وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً, أمَّا بَعْد:

عباد الله: غداً يبدأ العام الدراسي، وتفتح الجامعات والمعاهد والمدارس أبوابها, وغداً يخرج شبابنا وكريماتنا لتلقي العلم النافع, وغداً تستهل السنة الدراسية يومها الأول.

و

السؤال

ما هو موقفنا من العلم؟

وما هو العلم الذي نريده؟

وما هو واجب العلم علينا؟

وما هي مسئولية الأساتذة الأخيار والمعلمين الأبرار تجاه شباب وكريمات الأمة، وأجيالها؟

غداً يومٌ يرسل الأب فيه فلذة كبده إلى الأساتذة والمعلمين, فماذا يفعلون بهذه الفلذة؟ وبهذه القلوب التي تجلس أمامهم؟

وما هو موقف الإسلام من العلم؟

أولاً: أيها الأبرار: لقد نادى الله بطلب العلم ومدحه، وأثنى على العلماء وبجلهم وذكرهم في كثير من الآيات, وذم صنفاً آخر من العلماء، ومقتهم وندد بهم، وذم مسعاهم.

يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى لرسوله في أول طرق الدعوة وخطواتها: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:١٩].

قبل أن تبدأ في الدعوة والحياة والمسيرة عليك بطلب العلم، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:١٩] فاملأ قلبك بالإيمان, وجوارحك باليقين, وكن عبداً لله قبل أن تتعلم العلم.

ويقول الله له ممتناً عليه يوم أن أخرجه من بين جبال مكة ووهادها وشعابها -فإنه ما تعلم في مدرسة ولا دخل جامعة، ولا تلقى العلم على شيخ- قال الله له: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء:١١٣] فمن الذي علمك؟ من هم شيوخك؟ من هم أساتذتك؟ الله هو الذي علمك وفقهك ونوّر بصيرتك: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:١٩].

واستشهد الله بالعلماء وطلبة العلم على أكبر شهادة في الدنيا, وأكبر شهادة عرفتها الإنسانية وهي شهادة التوحيد, فقال عز من قائل: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:١٨] فانظر كيف جعلهم شهداء على وحدانيته, وألوهيته؛ وذلك لعظم قدرهم.

ووصف الله طلبة العلم بأنهم يخشونه تبارك وتعالى, ويقفون عند حدوده, ولا ينتهكون حرماته, وبأنهم يراقبونه في السر والعلن.

فالذي لا يراقب الله ولا يخشاه ولا يتقيه ولا يتقه ليس بطالب علم, قال سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨].

ووصف الله طلبة العلم بأن عندهم من الفهم للدعوة، والفقه في الدين، والاستنباط من النصوص شيئاً كبيراً، فقال: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:٤٣] فالرسالة الخالدة والمبادئ الأصيلة، والأهداف الجليلة لا يعقلها إلا من يفهم عن الله أمره ونهيه.

ولم يأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالتزود من شيء إلا من العلم فقال له: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:١١٤] لا يكتفي بعلم ولا يقف عند نص, وإنما همته تمر مر السحاب, كل يوم في ازدياد, وكل لحظة في تحصيل, وكل ليلة في مواصلة في هذا الصرح الجميل فهذا العلم هو الذي يغبط عليه صاحبه.

كل وقت في ازدياد العلم إرغام العدا وجمال العلم إصلاح العمل

لا تقل قد ذهبت أربابه كل من سار على الدرب وصل

والله عز وجل حكم بين طلبة العلم وبين غيرهم فقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:٩] وسكت عن الجواب؛ لأنه لا يوجد للسؤال إلا جواب حاصل، ولا ينبغي أن يجاب للعلم به.

وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:١١].

يا أيها المسلمون: يا أبناء من تعلموا العلم النافع الذي أوصلهم إلى الدرجات العليا في الجنة! أبناؤكم إذا لم يتعلموا العلم النافع، ويطلبوه لمرضاة الواحد الأحد، فأقلل به من علم! ويا لحسرة صاحبه! ويا لندامته وخسارته! علم لا يجعلك تشهد أن لا إله إلا الله، وتعظم الله فليس بعلم, وعلم لا يجعلك تحافظ على الصلوات الخمس في جماعة فليس بعلم, وعلم لا يجعلك باراً بوالديك وصولاً لرحمك صادقاً وفياً، خاشعاً منيباً متقياً سنياً ليس بعلم.

العلم ليس حفظ النصوص، فمن الناس من يحفظ القرآن ولكنه فاجر, يلعنه القرآن وتلعنه السنة, ومن الناس من يدهده بالكلمات ولكن قلبه ما عرف الله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>