[نماذج ممن أصابهم مرض الشبهة]
عاش صلى الله عليه وسلم مع هذه الفئة التي أصابها المرض في القلوب، ومنهم عبد الله بن أبي بن سلول، سمع لا إله إلا الله، وطرقت سمعه لا إله إلا الله، ورفرفت على رأسه لا إله إلا الله، لكن ما دخلت قلبه لا إله إلا الله، من الذي يهدي إلا الله.
ومن الذي يسدد إلا الله.
ومن الذي يوفق إلا الله؟ {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:٢٣ - ٢٤] {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:٥٦] {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:٦٩].
فيا من هدى قلوب الصالحين! نسألك هداية قلوبنا وأن تردها إليك، وألا تورثها شكاً ولا شبهةً ولا نفاقاً يا أرحم الراحمين.
عبد الله بن أبي يجلس مع الرسول عليه الصلاة والسلام في مجلسه، ويصلي معه، ويذهب معه في الغزوات، لكن على قلبه ظلمات النفاق: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:٤٠] ولذلك ألا ترى أن بعض الناس يصلي ويصوم مسلماً مقلداً إسلاماً ساذجاً تقليدياً؟! لكنه يطعن في العلماء، ويستهزئ بالرسول عليه الصلاة والسلام، ولا تعجبه الصحوة الإسلامية، ويبغض السنن والصالحين، ألا ترى أنه منافق بينه صلى الله عليه وسلم؟!
عبد الله بن أبي صدرت منه كلمات تثبت أن الرجل فيه دسيسة وشبهة ومرض، والله أعلم بمرضه، يقول -وقد تقاتل رجل مهاجري وأنصاري-: صدق الأول إذ يقول: سَمِّن كلبك يأكلك.
وهو يقصد إكرام الأنصار للمهاجرين، ويقول: أكرمناهم فأكلونا، ولو جوعناهم وطردناهم لتبعونا، ساءت كلمة! وساء معتقداً! وساء خبثاً ونفاقاً!
سمع الرسول عليه الصلاة والسلام هذه الكلمة فحاكمه إلى الله، قال له الصحابة: يا رسول الله نقتله، قال: {لا.
لا تتحدث العرب أن محمداً يقتل أصحابه} وأتى ابن هذا المنافق، ابنٌ امتلأ قلبه بـ (لا إله إلا الله) وأصبح عبداً لله.
ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا
سمع أن أباه يقسم إذا عاد من الغزوة ليخرجن الأعز منها الأذل، يعني بالأعز هو، وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة، فتصدى له ابنه بالسيف عند مدخل المدينة، وقال: [[والله الذي لا إله إلا هو، لا تدخل حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنك الأذل وهو الأعز]] {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:٢٧].
انظر إلى بعض الآباء، رأيناهم واستقرأنا أحوالهم في بعض المجتمعات، فتجده يكره أن يرى ابنه مصلياً، أو ملتحياً أو مستناً بسنة محمد صلى الله عليه وسلم، أو ذاكراً، أب فاسد وابن صالح، يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي.
تجد أباً ناسكاً عابداً باكياً خاشعاً داعياً، وابنه فاجر من الفسدة الكبار فسبحان الله! نوح نبي عليه السلام وابنه ضال، وإبراهيم رسول نبي وأبوه ضال فاجر عميل، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم يدعو إلى لا إله إلا الله، فيسمعها أبو طالب فلا تدخل قلبه، ويسمعها أبو لهب فيتصدى لها ولا يرتاح لها! فيتدهده على وجهه في النار.
ويأتي بلال من أرض الحبشة -من إثيوبيا - ليقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، فيدخل الإسلام، ويقول فيه عمر: [[أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا]] ويقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين (صحيح البخاري وصحيح مسلم): {دخلت الجنة البارحة، فسمعت دف نعليك يا بلال في الجنة، فماذا كنت تفعل؟ قال: يا رسول الله! والله لست بكثير صيام ولا صلاة ولا صدقة، ولكن ما توضأت وضوءاً في ساعة من ليل أو نهار، إلا صليت بعده ركعتين} ما أحسن الركوع! وما أحسن الوضوء! وهذه أسباب دخول الجنة، ففرق بين هذا وبين ذاك الملحد والوثني الذي رانت الشبهة على قلبه.
أحد الزنادقة أتي به إلى عالم من علماء المسلمين، فقال العالم: تب إلى الله، قال: لا أستطيع أن أتوب، قال: ادع الله لعل الله أن يرزقك توبة، قال: قلبي ظلمات بعضها فوق بعض.
إذا علم هذا -أيها المسلمون- فإن قضية الشبهة مرض خطير، وقد تجدد في عصرنا هذا في مركب الإلحاد والحداثة، وتجدد في صور أذكر بعضها إن شاء الله، لكن لنأخذ نماذج ممن عاش الشك والريبة.
العاص بن وائل -ابنه عمرو بن العاص - أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وهو ملحد، فأخذ عظماً ففته ونفخه، وقال: يا محمد! أتزعم أن ربك يحيي هذا العظم بعد أن يميته ويفنيه؟ قال: نعم، ويدخلك النار، فقال الله: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:٧٨ - ٧٩] فسبحان من يحي العظام وهي رميم! وسبحان من يحيي الأرض بعد أن تموت! وسبحان من يحيي القلوب بعد أن تقسو وتصيبها الشبهات!
يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في القلوب: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:١٦] ثم قال: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الحديد:١٧] فيا من أحيا الأرض بعد موتها بالأمطار! ويا من بث فيها الورود والأزهار! ويا من أخرجها للنظار! نسألك أن تحيي قلوبنا بالإيمان يا واحد يا غفار!
الجد بن قيس منافق، وحديث قصته صحيح: {ضاع جمله في البيعة عند الشجرة، فقالوا: تعال وبايع رسول الله صلى الله وعليه وسلم، قال: والله لئن ألقى جملي الأحمر خير لي من بيعتي لمحمد، فقال عليه الصلاة والسلام: كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر}.
وهذا عبد الله بن أبي قال له: تب وعد إلى الله، وراجع حسابك مع الله، وتعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ يلوي رأسه ولا يتكلم، خوفاً أن ينقل الله كلامه للرسول عليه الصلاة والسلام، فنقل الله صورة حركة رأسه، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ * سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [المنافقون:٥ - ٦] فلا إله إلا الله! كم هدم النفاق من حصن للإسلام!
ولا إله إلا الله كم دمر من أعلام!
ولا إله إلا الله كم أدخل قلوباً، وملأها بالظلام!
نشكو حالنا وقلوبنا إلى الواحد الأحد؛ فإنه الذي يخلصها تبارك وتعالى.
هذه مسألة هؤلاء أهل الشبهة.