للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[النعمة قسمان]

قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم:٢٨] قال بعض العلماء: النعمة قسمان: نَعمة -بالفتح- سميت في سورة الدخان، ونِعمة بالكسر.

فالنِّعمة يدخل فيها ما قربك إلى الواحد الأحد، والنعمة بالفتح هي نعمة يشترك فيها الناس، وتشترك فيها البهيمة، الثور والحمار والخواجة الأحمق، والبلشفي الأشقر، والوثني، كل هؤلاء يدخل في هذه النعمة، وقال الله عن النعمة: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:٣].

والله عز وجل جعل لهؤلاء أكلاً وشرباً، ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:٤٤] كالأنعام في أكلهم وشربهم، وفي خروجهم ودخولهم، ولذلك لما وصفهم الله في موضع آخر أخبر أنه أعطاهم الجوارح والأعضاء، ولكن ما استغلوها، عين وأذن ويد ورجل قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:١٧٩].

فليس أعمى من عميت عيناه، بل من عمي قلبه قال تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:٤٦] وقال تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد:١٩] أفمن يعلم أن المسجد خير من المقهى، وأن المصحف خير من المجلة الخليعة، وأن التلاوة خير من الأغنية الماجنة، وأن صحبة الأخيار خير من الأشرار، كمن ارتكس على رأسه وأعرض عن طاعة الله وأصبح شيطاناً، يقول أحد شياطين الإنس الذين يدمرون الأجيال:

وكنت امرءاً من جند إبليس فارتقى بي الحال حتى صار إبليس من جندي

يقول: كنت في فترة من الفترات أطيع إبليس في الحاشية فقربني إبليس، ثم زاد بي الحال فتَرقيتُ حتى أصبحت أسيِّرهُ، لذلك يسمى هذا المارد الإنسي، والمارد الإنسي هو الذي يتعدى ضرره إلى الناس، بعض الناس فاسد في نفسه، لكن بعضهم يفسد مجتمعه وإخوانه، ملطخ في السر والعلانية، أينما ذهب أفسد، بينما يقول الله سبحانه عن أحد الصالحين من الأنبياء والمرسلين: {مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم:٣١] قالوا: كلما حل في بلدة كان مباركاً، قال المتنبي:

وكذا الكريم إذا أقام ببلدة سال النضار بها وقام الماء

الكريم عبد الله إذا حل في مجلس تحول المجلس إلى روضة من رياض الجنة، إذا سافر معك أسعدك، وإذا صحبك آنسك، وإذا فارقك دعا لك، وإذا فارقته بكيت عليه، , وأما الفاسد فشؤم عليك؛ يحل معك فتحل معه الشياطين، وتحل معه المعصية والغضب من الله، قال جعفر الصادق لابنه: لا تصاحب ثلاثة قد غضب الله عليهم: لا تصاحب من عصى الله، فقد قطع حبل ما بينه وبين الله، ولا تصاحب عاق الوالدين فهو ملعون، ولا تصاحب كذاباً، فإنه يقرب لك البعيد ويبعد منك القريب.

<<  <  ج:
ص:  >  >>