للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الغربة في عهده صلى الله عليه وسلم]

هل علمتم أعدل من محمد عليه الصلاة والسلام؟ , هل عرفتم أنصف منه؟ , هل عرفتم أجل منه؟

لا والله! ومن زعم أن هناك في العالم -قديماً أو حديثاً- رجلاً أعظم من الرسول عليه الصلاة والسلام وأعدلَ منه، أو أكرم منه، فقد افترى على الله، وعليه دائرة السَّوء -من قال هذا القول-.

أتى يقسِّم الغنائم بين الناس، فلما قسم الغنائم صلى الله عليه وسلم، تألف بها أناساً يحبون الدنيا، قوم لا يحبون الإسلام إلا لوسائل، أعطاهم صلى الله عليه وسلم ليتألف قلوبَهم، أعطى عيينة بن حصن: مائة ناقة، والأقرع بن حابس: مائة ناقة، وأبا سفيان مائة ناقة، وصفوان بن أمية: مائة ناقة، وترك الأنصار سبحان الله! الأنصارُ يُتْرَكون! الذين قُتِل منهم في المعارك: (٨٠%) والذين قدَّموا دماءهم رخيصة في سبيل الله، تُرِكُوا! لكن المؤمن يوم يظهر له شيء من أخيه، أو من قريبه، أو من صديقه في طريقه إلى الله يستفسر ولا يحمل ضغينة

فاجتمع الأنصار، وقالوا: {غفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أعطى هؤلاء وتركنا، وسيوفنا تسيل من دمائهم} فبلغ الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمعهم؛ فلما جمعهم أشرف عليهم، وقال كلمات كلها حرارة، وكلها صدق وإخلاص، وكلها حب ومودة، قال: {يا معشر الأنصار! ما مقالة بلغتني عنكم؟ قالوا: هو كما سمعتَ، يا رسول الله! قال صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار! أما أتيتكم ضلالاً فهداكم الله؟ أما أتيتكم فقراء فأغناكم الله؟ أما أتيتكم مشتتين فجمعكم الله؟ فنكَّسوا رءوسهم، يبكون، ويقولون: لله المنةُ ولرسوله، قال: يا معشر الأنصار! والله لو شئتُم لقُلْتُم؛ فلَصَدَقْتُم، ولصُدِّقْتُم: أتيتَنا طريداً فآويناك، وفقيراً فواسيناك، ومظلوماً فنصرناك، قالوا: لله المنة ولرسوله، فرفع صوته، وقال: والذي نفسي بيده! لو سلكَ الناسُ وادياً وشِِعباً، لسلكتُ وادي الأنصار، وشِعب الأنصار، الأنصار شعار، والناس دثار، اللهم اغفر للأنصار وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار} فأخذوا يبكون حتى سالت دموعهم من لحاهم رضي الله عنهم وأرضاهم.

لكن اسمع إلى المبتدع، يأتي ويقول للرسول عليه الصلاة والسلام: اعدل يا محمد! أي: في القسمة! قال صلى الله عليه وسلم: {ويلك! خِبْتَ وخَسِرْتَ إن لم أعدل} وضبط: {خِبْتُ وخَسِرْتُ إن لم أعدل} فمن يعدل إذا لم يعدل عليه الصلاة والسلام فقام خالد رضي الله عنه وأرضاه وسَلَّّ سيفه، وأراد أن يقتل هذا المجرم، فقال عليه الصلاة والسلام: {دَعْهُ، يا خالد! لا يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، سوف يخرج من ضِئْضِئ هذا قوم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم، وقراءتكم إلى قراءتهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية} وفي لفظٍ في: صحيح مسلم: {لئن أدركتُهم؛ لأقتلنهم قتل عاد} وبالفعل: ظهر هذا المسرح فيما بعد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>