للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من هو الناصر؟]

من الناصر؟ من الذي نصر؟ {وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران:١٢٣] ما ينصر إلا الله، وهذا الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام، يقول: ما هو عددكم في بدر؟ أي سلاحٍ كنتم تحملونه؟ أي قوةٍ كنتم تحملونها؟ لا شيء.

لكن نصركم الواحد الأحد في بدر وفي غيرها وأنتم أذلة، الكفار ثلاثة أضعاف المؤمنين ومع ذلك انتصر رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، لماذا؟ لأن القائد الأعلى للقوات المسلحة في بدر أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، وتحت قيادته جبريل عليه السلام، يقول حسان في أشرف بيتٍ قالته العرب:

وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمدُ

قال الأصمعي: أجزم جزماً أن هذا أشرف بيتٍ قالته العرب، يقول: يا عرب! يا دهر! يا تاريخ! قواتنا المسلحة في بدر، قائدها محمدٌ عليه الصلاة والسلام، وتحت لوائه من القادة جبريل عليه السلام، فأروني قيادةً في الدنيا كهذه القيادة؟ لا أحد.

وقف صلى الله عليه وسلم في بدر، والجيش الإسلامي قد نام تلك الليلة، يقول علي كما في السيرة لابن اسحاق: {نظرت ليلة بدر فما رأيتُ إلا نائماً إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني رأيته مستقبلاً القبلة يدعو ويبكي حتى أصبح الصباح}.

نامت الأعين إلا مقلة تذرف الدمع وترعى مضجعك

ماذا كان يقول في الليل؟

يقول: {اللهم نصرك الذي وعدتني، اللهم نصرك الذي وعدتني، اللهم نصرك الذي وعدتني} هو يتحرى نصر الله ليفتح ثلاثة أرباع الكرة الأرضية؛ لأصلي أنا وإياك ونرفع سباباتنا بلا إله إلا الله!

وسقطت بردته من على منكبيه، فجاء أبو بكر وقال: {يا رسول الله! كفاك مناشدتك لربك} وكان الرسول عليه الصلاة والسلام أعلم بالله، وكان متيقناً أنه لا ينال ما عند الله إلا بكثرة الإلحاح والمسألة وصدق اللجوء والضراعة والشكوى، كما قال موسى فيما يصح عنه، وهو يسجد ويبكي: {اللهم إليك المشتكى، وأنت المستعان، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك} {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:١٨٦].

وهذه الدقائق الحارة، دقائق النصر، الدقائق التي تقف فيها بين لحظة وأخرى تتحرى النصر، اسمها ساعة الصفر: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:٦٢] من الذي يجيب المضطر إذا دعاه؟ هناك آيات لا يشاركها أوصاف للواحد الأحد، لا يشاركه فيها أحدٌ من الناس: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:٦٢] وهذه تسمى ساعة الصفر.

واسمحوا لي أن أخرج عن المحاضرة بعض اللحظات.

جئت مع بعض الإخوة اليوم من أبها ولما اقتربنا من الرياض، تعطلت بعض أجهزة الطائرة فلم نستطع الهبوط في المطار وبقينا ساعة في سماء الرياض، وكلما أتينا المدرجات -تسع مرات- عاد بنا الكابتن وأعلن أنه لا يستطيع الهبوط، أتدرون في أي شعورٍ كنا؟ أما النساء اللواتي معنا فانهمرت دموعهن بالبكاء، وأما نحن فأصبحنا في عالم القبر: من ربك؟ وما دينك؟ وما نبيك؟ وتيقنا من الذي يجيب المضطر إذا دعاه، وكتبنا بعض الأسماء في ورقة، تعريف بنا؛ لأننا نسينا تعريفاتنا في الحقائب، فكتبناها حتى يجدنا الناس إذا أصبحنا جثثاً على الأرض، فنحن في الصباح ارتحلنا من أبها، ثم أصبحنا في مصيبة لا يعلمها إلا الله، وذقنا طعم التوحيد الحار هذا اليوم، وعرفنا مقدار لا إله إلا الله! وعرفنا من الذي ينجي من الكرب: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:٦٢] وعرفنا قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت:٦٥].

فتجردنا إلى الله وسألناه كما سأل أهل الغار ربهم، وما وجدنا معنا إلا التوحيد!!

هذا هيامي وتقصيري وأعمالي فقلتُ عم صباحاً أيها الطلل البالي

ونزلنا بعد أن ظننا أننا من أهل الآخرة، ولكننا عرفنا أن التوحيد ينتصر في هذه الوقفات، وعرفنا أن كارل ماركس ملعون، وأنه خان الله ورسوله والمؤمنين، وأن (لا إله والحياة مادة) تحترق في هذه الدقائق الغالية.

<<  <  ج:
ص:  >  >>