[التيسير في الدين]
والتبشير روح يسري في القلب والعروق، ويصل إلى الإرادة فيحركها، بعث عليه الصلاة والسلام من أصحابه مبشرين في العالم، وصح من حديث أنس عند البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: {يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا}.
وعن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ولـ معاذ: {بشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا}.
إذاً: هو منهج، فأين كثير من الدعاة من أمثالي من المقصرين عن هذا المنهج الرباني الرائد؟ إننا قبل أن نكون مؤدبين للناس، معزرين بالكلمات مجرحين، لا بد أن نكون محببين نقودهم إلى رضوان الله وإلى الجنة، وهذه هي مهمة الداعية، وهي مهمته عليه الصلاة والسلام وهديه.
وصح عنه عليه الصلاة والسلام من حديث أبي هريرة: {أنه قال: إن الدين يسر} قال بعض العلماء -وهذه قاعدة- مقدمة من الرسول عليه الصلاة والسلام {إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه} وضبطت {ولن يشاد الدين أحداً إلا غلبه}.
أي: إن الذي يريد أن يتعمق ويستولي على جزئيات الدين، وألا ينقص في أي مرحلة من مراحل الدين، أو أن يعبد ربه على أكمل وجه دون أن يثلم ثلمة، أو أن ينقص نقصاً، فلن يستطيع، أو أراد أن يأتي بجميع الطاعات والقربات والنوافل فلا يستطيع.
ومن حديث بريدة عند أحمد -قال ابن حجر والحديث حسن- قال عليه الصلاة والسلام: {عليكم هدياً قاصداً، فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه}.
أيضاً: من يشاد الدين في الدعوة ويريد أن يحول المجتمع إلى مجتمع رباني، وصنف من الملائكة، فليعلم أن مجتمع الرسول عليه الصلاة والسلام ما تحول كله إلى مجتمع (١٠٠%) من الاستقامة والالتزام، فكان في عصره صلى الله عليه وسلم الزناة وشربة الخمر والسارقون والخونة والمنافقون، ومع ذلك أصلح عليه الصلاة والسلام ووجه، ولمح ولم يصرح وكان يقول: {ما بال أقوام}.
أيضاً: من حديث محجن بن الأدرع، وهو حديث حسن أيضاً، عند أحمد في المسند: {إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة، وخير دينكم اليسرة} وهذا منهج أيضاً للدعاة، فإن من يريد مغالبة المجتمع بأن يفرض سيطرته وكلمته يخطئ قال تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:٢٢] أي: أنت لا تحمل كرباجاً ولا عصاً ولا سيفاً {لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام:٦٦] {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:١٠٣].
قدم نصحك، وقدم كلمتك، فإن اهتدت القلوب فهذا هو المطلوب، وإن تولت، فأجرك كامل على الله و {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:٢٢] {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:٩٩].
أيضاً من حديث جابر عند البزار وفي سنده لين، لأن في سنده رجلاً عابداً لكن يهم في الحديث، يقول فيما يروى عنه عليه الصلاة والسلام: {إن هذا الدين متين، فأوغلوا برفق فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى} والمعنى: أنه شديد، والدخول فيه عميق، وهو طاقة تفجر، والذي يملك الدين بلا عقل يتفجر هو، ولذلك لا يحمل الدين إلا العقلاء، ويوم يحمله الحمقى يتفجرون ويتفجر بهم الدين.