[التوبة]
الكلمة الثانية للأخ علي بن حسين بن علي السحاري بعنوان (التوبة) فليتفضل:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:١ - ٢].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:١٨]
أمَّا بَعْد:
فربما يسأل الإنسان نفسه ويقول: أنا أسرفت على نفسي بالمعاصي وأكثرت من ارتكاب المحرمات، فهل يا ترى إذا تبت إلى الله فإنه سيقبل توبتي، أم أن ذنوبي وآثامي ستحول بيني وبين التوبة والعودة إلى الله؟ إننا نبشره ببشارة من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ونقول: ألم تسمع قول الله جل وعلا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:٥٣].
فهي دعوة من الله إلى كل من أسرف على نفسه بالمعاصي، وأكثر من ارتكاب الذنوب والآثام والتعدي على حدود الله أن يعود إلى ربه ومولاه، وأن يصحح مساره بالتوبة إلى الله الذي يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم، والذي يقبل التوبة من عباده.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {لو كان لابن آدم وادياً من ذهب؛ لأحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب ويتوب الله على من تاب} متفق عليه، بل إن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أخبر عن الذي يستمر في غيه وفي عصيانه وتعديه على الله ولم يتب من ذلك أنه ظالم، يقول تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:١١] ظالم لنفسه؛ لأنه لم يجعلها طائعة لله منقادة لأوامره؛ لأنه عصاه وهو الذي أنعم عليه، وخلقه ورزقه، وجعل له البصر والسمع والفؤاد، قال تعالى: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} [الملك:٢٣].
ونقول للذي يريد أن يتوب: أبشر بالفلاح في الدنيا والآخرة إن كانت توبتك صادقة خالصة لله تعالى يقول تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:٣١] فقرن الله الفلاح بالتوبة والإنابة إليه.
واعلم -أخي المسلم- أن التوبة سبب في تكفير السيئات، بل سبب في تبديلها إلى حسنات، يقول تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:٦٨ - ٧٠].
ونقول لمن أراد التوبة: ألم تسمع بقصة ذلك الرجل الذي انتهك حرمات الله، وأسرف على نفسه بالمعاصي، وفي يوم من الأيام أراد أن يتوب إلى الله من فعل المحرمات، ويحرص على فعل الطاعات ليفوز برضا رب الأرض والسماوات، فسأل ذلك الرجل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب فأتاه فقال له: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً، فهل له توبة؟ فقال له الراهب: لا.
فقتله فكمل به المائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على عالم، فقال له: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال له ذلك العالم: ومن الذي يحول بينك وبين التوبة؟ نعم.
لأن باب التوبة مفتوح لا يقفل إلى يوم القيامة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه} رواه مسلم.
وقال له العالم: ولكن انطلق إلى أرض كذا فإن فيها أناساً يعبدون الله فاعبده معهم ولا تعد لأرضك فإنها أرض سوء، فلما وصل إلى منتصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، وقالت ملائكة الرحمة: جاء مقبلاً إلى الله بقلبه تائباً، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه حكماً بينهم فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أقرب فهو لها، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة.
أخي المسلم! بعد أن سمعت الأحاديث والآيات السابقة التي توضح لك سعة رحمة الله تعالى، ألم يأن للقلوب القاسية أن تتوب؟ أولم يأن للقلوب الضالة أن تهتدي؟ أولم يأن للقلوب البعيدة من الله أن تقترب إليه؟ ألم تسمع قول الله: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:٥٠].
أسأل الله العلي القدير أن يرزقنا توبة نصوحا، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
الشيخ عائض:
أثابكم الله.
أيها الإخوة! في آخر الكلمات سوف أقدم عرضاً لبعض الملاحظات، وبعض ما يجب على الخطيب أن يلم به، كل ذلك من كتب من ألف في الخطابة في هذا العصر ومن قبله.
أيضاً نريد من أهل أصحاب الكلمات أن يحذفوا ثلث الكلمة؛ لأنها قد تطول، ونريد أن يبقى وقت لبعض الملاحظات وبعض الفوائد.