[شيخ الإسلام وجلده وصبره]
كان إذا أراد أن يحقق مسألة فإنه يصبر ويتجلد، ويؤلف، ويكتب، ويستمر، وهو يعرف أنه لن يموت إلا بقضاء من الله وقدر.
وما سمعنا أن أحد من الناس قدم موت أحد ساعة، والله ما وجد في العالم رجلٌ قدم موت رجلٍ ساعة أبداً: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة:٥٢].
خالد بن الوليد خاض مائة معركة، ومات على فراشه والحمد لله، استكمل رزقه وأجله، هل نقص من عمر خالد يوم؟!! لا استكمل ساعاته ودقائقه.
والعز بن عبد السلام خاض، ونهى، وأمر، ومات على فراشه.
وابن تيمية تعرض لما تعرض له ومات على فراشه، لا يموت أحد قبل أجله، ولا يأتي مرض الوهم هذا فيسيطر على عقل الإنسان، ويصيبه قرحة في المعدة والاثنى عشر خوف الموت وهو ما مات.
يقولون: يموت الجبان في اليوم سبع مرات، والشجاع لا يموت إلا مرة واحدة.
يصفون ابن تيمية، يقولون: كان قوي البطان، من داخل لا يبالي، مثل علي بن أبي طالب.
علي بن أبي طالب يبارز الأبطال وهو ينعس على البغلة!
ونحن هنا، والكيماوي بيننا وبينه ١٥٠٠ كيلو متر، وما نام أطفالنا، يتخوفون في المنام، كلما مرت طائرة قلنا: نعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق!
علي بن أبي طالب السيوف مصلتة، وبقي بينه وبين البطل أمتار وينام!
واسمع المتنبي يمدح سيف الدولة، ويحيي البطل المقدام الذي خاض معارك ضد الروم، يقول:
وقفت وما في الموت شكٌ لواقفٍ كأنك في جفن الردى وهو نائمُ
يقول: ما هذه البطولة، كيف تنام وأنت تقف في جفن الردى!
تمر بك الأبطال كلمى هزيمةً ووجهك وضاحٌ وثغرك باسم
من الذي يضحك في المعركة؟!! يضحك علي بن أبي طالب وابن تيمية وسيف الدولة:
نثرتهمُ فوق الأحيدِب نثرةً كما نُثرت فوق العروس الدراهمُ
هذه من قصيدته الرائعة، وكل شعر المتنبي رائع، حتى يقول:
ولا تحسبن المجد زِقَّاً وقينةً؛ يقول: لا تحسب المجد كوب الخمر هذا الذي يوضع فيه الخمر, والقينة تغني: يا ليلي، يا عيني.
ولا تحسبن المجد زِقَّاً وقينةً فما المجد إلا السيف والفتكةُ البِكرُ
وتركك في الدنيا دويَّاً كأنما تداول سمعَ المرء أنملُه العشرُ
هذا هو المجد، وهو الذي يعيشه ابن تيمية في فكره وأعصابه وحرارته، وسوف يبقى معنا يعيش، وكل سنة معنا يتجدد ابن تيمية، وتخرج كتبه إلى النور، وعلمه، وفتاويه إن شاء الله.