لماذا تَفوَّق الصحابة
تفوق الصحابة على من بعدهم بأمور، منها أنهم يطالعون الغيب المستور، كما يرون الشاهد المنظور يروى عن علي رضي الله عنه قال: [[والذي نفسي بيده لو كشف الله لي الغطاء، فرأيت الجنة والنار، ما زاد على ما عندي من إيمان مثقال ذرة]] كان أحدهم يكلمه صلى الله عليه وسلم فكأن الواحد يمد يده ليقتطف أعناب الجنة بيده الكريمة.
ومنها: أنهم بدمائهم أجود منا بدراهمنا، ويكفي أن يصب الواحد منهم دمه في المعركة إذا سمع كلمة من المعلم عليه الصلاة والسلام.
ومنها: أن من عصى من أولئك يأتي إلى الموت نشيطاً ليطهر نفسه، ولو كان في ذلك ذهاب رأسه، فقل لي بربك: أي إقدام هو إقدام ماعز والمرأة التي زنت، في طلب التطهير من سيد البشرية عليه الصلاة والسلام؟
ومنها: أن علم الصحابة للعمل، وثقافتهم لما يحتاجون إليه، بينما أصبح العلم عندنا سرفاً، والفكر خيالاً، والثقافة موضة.
ومنها: أن الصحابة يعيشون على الكفاية، ومن زاد منهم ماله قدمه لمآله، والمتأخرون أصبح جمع المال عندهم مهنة، والسعي وراء الحطام حرفة، فاشتغلوا بفضول العيش عن أصول العمل.
ومنها: أن الصحابة قاموا بأعمال القلوب خير قيام من الخوف والرجاء والرغبة والرهبة والخشية والمحبة ونحوها، مع قيامهم بأعمال الجوارح، بينما الخلف يهتمون بالظاهر أكثر من الباطن، فلذلك وقع الخلل في الأعمال والأقوال؛ لأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب.
اشكر لمن شرفك بصعود المنبر سبحانه، وعرف الناس به في كلماتك ولا تعرف الناس بنفسك؛ لأنه سبحانه أعرف المعارف وأنت نكرة من النكرات، ولولا أنك تعظمه ما عظمك الناس، وما دام أنه ستر معايبك عن الحضور، فانشر مدائحه سبحانه في الجمهور الله يستحق المدح ويحبه، ولذلك مدح نفسه بأشرف المدائح، ونزه نفسه عن القبائح سبحانه!
كلما بالغت في مدح المخلوق؛ قال الناس: هذا غير صدوق، وكلما أكثرت في مدح الخالق؛ قالت القلوب: حياك الله يا صادق.
إذا لم تصاحب الصحابة الأخيار فاقرأ الأخبار:
فاتني أن أرى الديار بطرفي فلعلي أرى الديار بسمعي
قراءة سير الصحابة حسنة من الحسنات، يظهر للقارئ في أخبارهم سمو حياتهم، وجلال قدرهم، يخلو ابن المبارك الزاهد العابد بنفسه، يُغلق عليه الباب، فقال له التابعون: اجلس معنا.
قال: أنتم تغتابون الناس، وأنا أجلس مع أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام.
ما في الخيام أخو وجد نطارحه حديث نجد ولا خل نجاريه
حضرت أبا بكر الصديق الوفاة، ليلقى بعدها ربَّاً طالما أحبه، ووحده، وتقرب إليه، وجاهد من أجله، ليلقى رباً طالما أحب فيه البعيد وأخر فيه القريب هاجر من أجله، وحارب من أجله ورضي برضاه وغضب لغضبه، رباً أعطى لوجهه النفس والنفيس والغالي والرخيص، سكب لمرضاته الدمع والدم، وأتعب لدينه الروح والبدن، رباً ملك حبه على أبي بكر كل لحظه ولفظه.
كأن رقيباً منك يرعى جوارحي وآخر يرعى مسمعي وجناني
رباً كان حبه في عروق أبي بكر وعرقه، من أخمصه إلى مفرقة.
رباً صلى له أبو بكر، وصام، وزكى، وحج.
رباً سهر له في الليالي وجاهد له في النهار.
رباً كان أبو بكر يرعى حقوقه دائماً وأبداً.
رباً وقف أبو بكر في الخلافة ليرضي ربه إلى آخر قطرة من دمه.
فسبحان الله! والله إنه صاحب كل خير، فاضت روح أبي بكر الصديق وكانت أمنيته أن يلقى الله.
ومن لقاء الله قد أحبا كان له الله أشد حبا
وعكسه الكاره فالله اسأل رحمته فضلاً ولا تتكل
فكانت الثروة بغلة، والتركة كفناً، والبقية ثوبين كفن بهما، وهو خليفة المسلمين ثنتان وعشرون دولة.
فماذا قدمنا نحن؟ وماذا فعلنا؟ ماذا بذلنا؟ ماذا حصلنا؟ أي جهد فعلناه؟ أي دمع سكبناه؟ أي دم أسلناه؟ أي مال قدمناه؟
لا شيء!!
ننام عن الفجر وقد قام الصديق الدجى، ولا نبكي في الخوف والصديق يبكي في الرجاء نحن نجر المطارف يوم مطارف أبي بكر تجر بسيوف الغزاة في بدر وأحد.