للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من سُئِلَ وهو يتحدث فعليه أن يتم حديثه ثم يجيب السائل

يقول البخاري في صحيحه: باب من سئل علماً وهو مشتغلٌ فأتم الحديث ثم أجاب السائل.

انظر إلى حسن التبويب، وفقه البخاري في التبويب، وإلى ذكائه في فتح جبهات في كل باب؛ وهي العبقرية الفياضة، يقول: إذا كان مستغرقاً في عبادة فلا تسألوه، أما إذا كان باستطاعته وهو في العبادة أن يجيبك فلا بأس.

لكن المقصود هنا أن البخاري يستدل على أنك إذا كنت في محاضرة فسئلت في مسألة فلا بأس أن تتم حديثك؛ وهذا ليس من ترك البيان وقت الحاجة، بل تتم كلامك، ومحاضرتك، ثم تلتفت إلى السائل وتجيب على سؤاله، والدليل على ذلك ما ورد في الصحيحين: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتكلم على المنبر، وأمامه علماء الصحابة، فدخل أعرابيٌ من باب المسجد، فقال: يا رسول الله! متى الساعة؟

وهذا السؤال خطأ: وهل هذا وقت السؤال؟

هل استأذنَ؟ هل جلس؟ هل سمع ما هو الحديث؟ هل من الحكمة أن يجاب؟

تهدر حقوق ألف مستمع أمامك، وتسمع لأعرابي! فسكت عليه الصلاة والسلام، فلما انتهى من حديثه، قال: {أين أراه السائل عن الساعة؟ قال: أنا يا رسول الله! قال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: وكيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة}.

وفي حديث آخر قال أعرابي: {متى الساعة؟ قال: ماذا أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله.

قال: المرء يحشر مع من أحب}.

من حبكم فاعلموا للحب منزلة نهوى غريمكمُ لو كان يهوانا

هذه مسألة، نأخذ منها أن الذي يحاضر في الناس، أو يتحدث لا يقطع حديثه من أجل واحد.

ومن الحكم في الدروس أن يتأنى طالب العلم، ويتأخر، وينتظر، حتى يأذن له الأستاذ، عندما يطلب الأسئلة من الناس.

ثانياً: بوب ابن حبان بباب: إباحة إعفاء المسئول عن الإجابة على الفور.

يقول: مباح للمسئول، وليس عليه حرج ألا يجيب على الفور، أي لا تلزمني أن أجيب على الفور بل تنتظر قليلاً، وهذا مأخوذ من حديث أبي هريرة عند مسلم: {حتى إذا قضى حديثه قال: أين أراه السائل} فما أجابه إلا بعد أن تمَّ حديثه، وعند مسلم أيضاً أن هذا الرجل قال: {رجلٌ غريبٌ لا يدري عن دينه، جاء يسأل عن دينه، فتركه صلى الله عليه وسلم، فلما انتهى من خطبته، أخذ صلى الله عليه وسلم في إجابته}.

وورد كذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام قطع الخطبة للحاجة.

أحياناً يستدعيك الأمر أن تقطع الخطبة والمحاضرة والدرس للحاجة، إذا كانت حاجه ملحة، مثل أن ترى أعمى يمشي ويكاد أن يتردى في البئر، وأنت تلقي درساً -مثلاً- وهو يمشي إلى البئر.

دخل أعرابي اسمه سُليك الغطفاني، والرسول عليه الصلاة والسلام على المنبر يخطب الجمعة، فجلس ولم يتنفل، فقال صلى الله عليه وسلم: {أصليت؟ قال: لا يا رسول الله! قال: قم فصلِّ ركعتين وأوجز} فقام فصلَّ ركعتين، فهذا وقت الحاجة.

وكذلك يسمح للخطيب أن يقطع الخطبة يوم الجمعة بملاحظة لا بد منها، كما فعل عمر في الصحيحين: [[أنه كلَّم عثمان لما تأخر عن الحضور، قال: وتأتي في هذا الوقت؟]] يعني: تأخرت، وأنت من العشرة المبشرين بالجنة، ومن السابقين في فعل الخيرات.

[[قال: يا أمير المؤمنين! كنت في السوق فسمعت الأذان، ونسيت أنه الجمعة، فما هو إلا أن توضأت وأتيت، قال: والوضوء أيضاً؟! وقد سمعت أن الرسول صلَّى الله عليه وسلم كان يأمرنا بالغسل]] فقطع خطبته من أجل الفائدة.

ويجوز للمأموم أن يكلم الخطيب، وللخطيب أن يكلم المأموم، وليس للمأموم أن يكلم المأموم في أثناء الخطبة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>